بغداد
يتعامل الدكتور عادل عبد المهدي، نائب رئيس جمهورية العراق، والقيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، مع الأحداث والقضايا السياسية العراقية بكثير من العلمية والتروي، مشخصا ما يجري برؤية وطنية بحتة بعيدا عن التطرف السياسي أو الحزبي أو الديني.
وعبد المهدي أبعد ما يكون عن الطائفية، فالمواطن العراقي بالنسبة له هو عراقي أولا وأخيرا، سواء كان سنيا أو شيعيا أو من غير المسلمين، عربيا أو كرديا أو تركمانيا، وهذا ما وضعه في درجة متقدمة بين السياسيين العراقيين الذين يرتبطون بعلاقات متميزة مع الجميع، وهذا أيضا ما دفعه لأن يتنازل عن حقه في رئاسة الحكومة السابقة laquo;حفاظا على وحدة العراق والعراقيينraquo;، كما أكد في أكثر من مناسبة، ولم يقل وقتذاك laquo;لا مرشح أفضل منيraquo; مثلما قال نوري المالكي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها.
عبد المهدي معروف بكياسته الاجتماعية والسياسية، وطوال شهور أزمة الأوضاع السياسية العراقية الحالية كان يحلل الأمور بكثير من المنطق والواقعية لكن بلغة دبلوماسية عالية ومسؤولة، لم ينحز خلالها حتى إلى الائتلاف الوطني الذي هو أحد أعمدته، ولم يتحدث عن ترشيحه لرئاسة الحكومة المقبلة، بل دافع عن حقوق الآخرين قبل أن يتحدث عن حقه أو حق ائتلافه، كما في الحوار التالي الذي أجرته معه laquo;الشرق الأوسطraquo; عبر بريده الإلكتروني..
* كيف تنظرون إلى التصريحات الساخنة التي كان قد أدلى بها مؤخرا نوري المالكي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها؟
- رغم الحزن والأسى فإن هذه المقابلات فيها الكثير من المفاهيم والأمور التي تجب دراستها وتشخيص خلفياتها. رغم ذلك أقول إن الديمقراطيات الحديثة والهشة قد مرت كلها بمثل هذه التجارب إلى أن رسخت تقاليدها وتوافر رجال دولة ورأي عام يقدرون عمل المؤسسات والالتزام بالقواعد والإجراءات، ولا شك عندي أن الأخ الأستاذ المالكي هو أحد كبار القادة الذين يمكنهم المساهمة في ترسيخ هذه التجربة، ولكن بغير هذا الأسلوب. وأن هذه المناظرات على ما فيها من سلبيات ومضاعفات فإنها تبقى إحدى الوسائل لأن نتعرف على أخطائنا ويتعلم بعضنا من بعض. إن جميع من يشترك في العملية السياسية ويلتزم بالدستور هو شريكنا وصديقنا، وإن اختلافاتنا لا تعني القطيعة أو السباب والعداء بل تعني مراجعة النفس ووضع كل أمر في مكانه الصحيح. ولسان حالنا يقول laquo;رب أرني الحق حقا لاتبعه.. وأرني الباطل باطلا لاجتنبهraquo;.
* باعتقادكم، هل حقا لا يوجد مرشح لرئاسة الحكومة أفضل من المالكي، كما أكد في تصريحاته الأخيرة؟
- عتبي أن السيد المالكي هاجم الجميع واعتبر كلا منهم في موقعه متآمرا وخادعا للشعب، ولم يبرئ أحدا سوى نفسه. الكلام عن الشعب لا يصح بهذه الطريقة. هذا كلام قد يقوله باحث أو مواطن، لكن أن يصدر من رئيس مجلس وزراء العراق وهو في منصبه، فهذه مسألة تجب مراجعتها. على الأقل هذا اجتهادي. ولو قال أي رئيس وزراء في العالم خلال توليته عن شعبه ما قاله رئيس وزرائنا لثارت عليه الدنيا ولم تقعد. لم يترك دولة رئيس الوزراء أحدا إلا وأصابه بشيء. فاتهم الكتل والقوى السياسية بالمراوغة والخداع. واتهم آخرين بقلة الأدب. واتهم العلماء والدول ولم يترك أحدا. وتصريحاته الأخيرة، خاصة مقابلته مع فضائية laquo;العراقيةraquo; (الرسمية) فيها الكثير من التناقضات التي يدحض بعضها بعضا.
* غالبا ما اتهم المالكي المفوضية العليا المستقلة والأمم المتحدة بتزوير الانتخابات والتلاعب بها.. ما تعليقكم؟
- نعم هذا ما يقوله دولة رئيس الوزراء أو يستنتجه ضمنا. فإلى لحظة تخليه عن قناعته بأنه سيكون القائمة الأولى كان إصراره على أن الكتلة الأكبر هي القائمة الفائزة. ورد على احتجاج المعترضين على النتائج في مؤتمر علني نقلته جميع الوكالات مع مجموعة الاتحاد الأوروبي، مشيدا بنزاهة الانتخابات والمفوضية، معتبرا أن الاحتجاج هو ديدن الخاسرين. ثم انقلب الأمر تماما وتغير المنطق بعد أن وصلت المعلومات عن تغير مواقع القوائم. وبدأ الهجوم على المفوضية والأمم المتحدة، وعطلت البلاد والعملية في طعونات وأعمال عد وفرز لم تغير شيئا. لا شك أنه حصلت بعض أعمال التزوير، لكن هل كانت ستغير النتائج الأساسية أو تطعن في نزاهة الانتخابات بشكل عام؟.. إذ من المؤسف أن تحصل العملية على تزكية وحصانة المنظمة الدولية لنأتي نحن ونطعن في الآلية الأساسية لنظامنا السياسي. إن اتهام المفوضية والأمم المتحدة ومن هذا المقام الرفيع سيلقي ظلالا خطيرة على مجمل الانتخابات وشرعية الجميع بمن فيهم دولة رئيس الوزراء، وهو ما كان يجب الابتعاد عنه من قبل مسؤول كبير، فالمسؤول عند أدائه مسؤولياته الرسمية هو ليس في موضع جدل أو انفعال ليسمح لنفسه بان يقول إنني سأرد الصاع بأربعة، وأنا لا أجامل، ويتهجم على الآخرين حسب مزاجه. كلامه كلام الموقع والدولة والحكومة، ويجب أن ينطق باسمها وبطرقها ووسائلها، وذلك عندما يكون أمام الرأي العام. أما في بيته ومع أصدقائه، وفي داخل حزبه وائتلافه فليقل ما يشاء.
* هل تعتبرون الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال يومية، أم أنها كاملة الصلاحيات؟
- هناك مادتان دستوريتان حول الموضوع. الأولى عند استقالة أو إقالة رئيس مجلس الوزراء وبالتالي الحكومة. والثانية عند حل مجلس النواب، فان الحكومة تعتبر حكومة تصريف أعمال يومية، ونضيف من عندنا أيضا أنه لا توجد مادة دستورية مباشرة تقول إنه عند حلول موعد الانتخابات تعتبر الحكومة مستقيلة، وتتحول إلى حكومة تصريف أمور يومية. لكن هل يكفي ذلك لكي نستنتج أن الحكومة ليست حكومة تصريف أمور يومية؟ إطلاقا. فالحكومة هي بامتياز حكومة تصريف أمور يومية بموجب المادة الدستورية ذاتها التي تعتبر أنه عند حل مجلس النواب فإن الحكومة تتحول فورا إلى حكومة تصريف أمور يومية. فالعلة الأولى والأخيرة في التصريف وعدم التصريف هي وجود أو غياب السلطة التشريعية. والسلطة التشريعية السابقة انتهت بنهاية سنتها الرابعة حسب الدستور. وقد تقدم رئيس مجلس النواب السابق الدكتور إياد السامرائي إلى المحكمة الاتحادية طالبا التمديد، لكنه لم يتلق ردا إيجابيا. فمجلس النواب بات منحلا وغائبا دستوريا وواقعيا، وانتهت الدورة الأولى بالكامل، وبقيت البلاد تنتظر انعقاد الدورة الثانية. كان يجب اعتبار مجلس الوزراء مع رئيسه ورئاسة الجمهورية في حكم المستقيلين والمكلفين بالبقاء في مواقعهم وإدارة الحكم وفق قاعدة تصريف الأمور اليومية، وذلك منعا من التعطل أو التعطيل لكن وفق محددات يعرفها دستوريو وقانونيو ومشرعو الدولة، وليس الاعتماد على رؤية شخص واحد هو صاحب مصلحة في الأمر.
* لكن الحكومة الحالية تتصرف وكأنها كاملة الصلاحيات رغم اعتراض بقية الكتل البرلمانية؟
- لا يمكن لحكومة أن تعمل بكامل إمكانياتها وصلاحياتها وكأنها في وضع طبيعي كما يصر على ذلك دولة رئيس مجلس الوزراء من دون رقابة ومن دون مساءلة واستجواب، وأن قضايا كثيرة لعمل كل السلطات تتعلق بوجود أو غياب مجلس النواب. ويمكن سرد الكثير من الحجج التي جعلت الجميع يقتنع بذلك إلا دولة رئيس مجلس الوزراء. ففي الاجتماع الذي عقده التحالف الوطني العراقي مساء 26 يوليو (تموز) ذكر ممثل laquo;دولة القانونraquo; علي الأديب أن كتلته ستؤيد غدا عند لقاء الكتل النيابية توصيف الحكومة بحكومة تصريف أمور يومية، وهو ما حصل فعلا في البيان الذي ألقاه الشيخ خالد العطية. كما ذكر أيضا الأديب في الاجتماع المذكور أنه سيصدر غدا تصريحا من الحكومة بهذا الشأن. وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة إن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال يومية. بل هذا هو الإجراء الدستوري الذي لم يناقش فيه أحد عند انتهاء العهد السابق وبداية العهد الجديد، أي بعد انتهاء حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري الأولى القائمة على قانون إدارة الدولة وإجراء عملية الانتخابات التي اعتبر التصديق على نتائجها بدء العمل بالدستور الدائم. ففي أوائل 2006 وفي ظل الدستور الدائم دعي مجلس النواب في موعده، أي بعد أقل من 15 يوما من التصديق على الانتخابات، وأدى جميع المسؤولين التنفيذيين اليمين الدستورية باعتبارهم في حكم المستقيلين.. وعممت الحكومة بقرار من رئيس وزرائها حينذاك دولة رئيس مجلس الوزراء الأسبق الأخ الدكتور الجعفري أنها حكومة تصريف أمور يومية. رغم أن انتخاب رئيس مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء لم يجر إلا بعد أسابيع من أداء اليمين الدستورية. وأن المادة الأولى من الدستور تحدد طبيعة النظام السياسي في جمهورية العراق وتصفه بـlaquo;النظام النيابي (البرلماني) الديمقراطيraquo;.. هذا هو المحور العام الذي تدور حوله بقية القضايا. وهو محور سيعطل غيابه كل شيء.. وستتوقف الحركة بالتدريج. لأؤكد بعد ذلك كله أن مجلس الوزراء أو دولة رئيس الوزراء لا يستطيع أن يقرر بمفرده استنادا إلى آراء خاصة أو حتى آراء مستشارين أو قانونيين. فالأمر يتعلق بالدولة كلها وليس بمؤسسة واحدة.. فهي لا تمتلك سابقة ولا مادة دستورية أو قانونا أو قرارا من مجلس النواب أو الرئاسة أو المحكمة الاتحادية العليا يسمح لها بذلك. إن مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء عندما يقرر ذلك بمفرده فإنه يرتكب مخالفة غاية في الخطورة. إن موقعه كما يسميه القانونيون والدستوريون هو في منطقة تدافع المصالح أو منطقة تضارب المصالح، ولا يستطيع أن يكون طرفا بين أطراف ليكون هو أيضا حكما عليها، مع الأخذ بالاعتبار أنه ليس متقدما من حيث مسؤوليات الدولة على أي منهم. إن المشرع لا يريد إضعاف الحكومة أو توهينها، بل يريد حمايتها وحماية مصالح الناس. فالمسؤول التنفيذي قد تغريه السلطة، وقد يصيبه الوهم ويستخدم أدواته القانونية والإدارية والتنفيذية والإجرائية لتمرير ذلك واستخدام شتى الذرائع لإبقاء البرلمان معطلا، خصوصا في أوضاعنا حيث مجلس الوزراء لا يحكمه نظام داخلي مقر وهو ما يعرض مجمل المصالح العامة ومستقبل البلاد ونظامها السياسي لخطر شديد. أرجو أن يثق دولة رئيس الوزراء أن الهدف من هذا النقاش هو ليس لإضعافه أو الإتيان برئيس وزراء ضعيف. فنحن جزء من السلطة التنفيذية. وقد يغرينا الراتب العالي الذي نتقاضاه والامتيازات الكثيرة التي نتمتع بها، أو كما يقول دولة رئيس مجلس الوزراء واصفا رئاسة الجمهورية laquo;بالامتيازات واللامسؤولية ولا انفجارات، ولا ماكو كهرباء ولا هاي المشكلة، ولا مشكلة يوميا مع الدول الإقليميةraquo;.. وهذه زلات لسان كثيرة وغير صحيحة وغير لائقة ولا أدري كيف ستقبله رئاسة الجمهورية؟ وكيف ستحتفظ بهيبتها أمام شعبها وأمام العالم وهي تمثل رئاسة الدولة ورمز وحدة الوطن والضامن للالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه. وهي مع مجلس الوزراء الركن الثاني للسلطة التنفيذية بكل أعبائها ومسؤولياتها.
* اتهم المالكي جميع القوائم بأنها صنعت في الخارج عدا قائمتين هما ائتلاف دولة القانون والتحالف الكردستاني. فما حقيقة الأمر؟
- هذا اتهام وتجاوز خطير على مجمل القوى وعلى العملية الديمقراطية والسياسية في العراق. وهذا محرج له (المالكي) قبل أن يكون محرجا للآخرين. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يفاوض laquo;العراقيةraquo; وهو الذي اتهمها بشتى التهم؟ ولماذا يقول إنه كان مصرا على الاندماج مع الائتلاف الوطني ويطلب ترشيحه له؟ لماذا يطلب دعم وترشيح قوائم صنعت في الخارج ثم يهاجمها عندما لا تتفق معه؟ هذا كلام لا يصح من مسؤول وقيادي كبير. لا ينكر أن هناك تدخلات خارجية. وقد كررنا مرارا أن ما نعتبره تدخلا في الشأن العراقي هو عندما يقبل المسؤول أو السياسي العراقي قرارات الخارج. أما فهم الظروف المحيطة واتخاذ القرارات بناء على رؤية داخلية ووطنية فهذا أمر طبيعي. إن الكل يتشاور في عالم اليوم. المعيار هو القرار الذي يتخذ. فهل هو لاعتبارات وطنية أم تنفيذا لأجندات خارجية. وأرجو ألا نسمع من دولة رئيس الوزراء أنه لم يرسل أعلى مستشاريه وقياداته للاجتماعات ولبناء المواقف المشتركة وتلقي الدعم المطلوب. وأنه لم يلتق هو وغيره برجال مخابرات من دول أجنبية داخل العراق وخارجه. إن الحركة السياسية لا تعيش ظروف الخمسينات حيث كان يعتبر الجلوس مع أجنبي مؤامرة وخيانة، مما شكل عقلية التآمر التي ما زالت راسخة في ذهن الكثيرين. الدول تلتقي، والساسة من مختلف الدول يتباحثون ويتصادقون ويجلسون ويحللون ويمتدحون وينتقدون سياسات بلدانهم أو غيرها من بلدان. هذا أمر بات عاما وشاملا لدى حركات المعارضة أو لدى إدارات الحكم والقوى السياسية. إن ترشيح المالكي اليوم يتمتع بدعم أجنبي وإقليمي من دول معينة في حين ترفضه أخرى. فهل نحلل ونحرم كما نشاء أم نضع قاعدة عامة تنطبق على الجميع؟ أكرر وأقول إن الكلام الذي صدر عن دولة رئيس الوزراء غير واقعي وغير منطقي وغير قابل للتطبيق. فالأدوار والمسؤوليات السياسية تدفع الجميع للقاء داخل وخارج العراق، ولا عيب في ذلك ما دام يتم وفق المعايير التي ذكرناها.
* لكن المالكي حاز أعلى الأصوات لشخصه، وهذا ما يدفعه للإصرار على ترشيح نفسه رئيسا للحكومة المقبلة حسبما يعتقد؟
- من حق دولة رئيس الوزراء أن يرشح نفسه، وأن يصر على ذلك، لكن في إطار السياقات والقواعد وليس خارجها. إن استطاع الحصول على 163 صوتا داخل البرلمان فسيكون رئيسا لمجلس الوزراء ولا خلاف حول ذلك. لكنه لا يمكنه افتراض الأشياء فيقتنع هو بها ويبدأ في العمل وفقها ويتكلم عن المستقبل وفق ذلك، ويريد من الآخرين وهم أغلبية - حتى الآن على الأقل - أن يسيروا خلفه ويخضعوا لترتيباته. لقد حصل دولة رئيس الوزراء على تصويت عال وجاء أولا في بغداد من حيث عدد الأصوات. لكن هذا لا يعطيه بعدا سوى زعامة قائمته، ولا يستطيع أن يستنتج أنه مرشح القوائم الأخرى ومن سيكلفه رئيس الجمهورية ويقبله الشعب. أنظمتنا تتكلم عن مرشح الكتلة الأكبر. وهو لم يحصل على أن يكون مرشح هذه الكتلة إن كان المقصود بذلك التحالف الوطني. وعبثا يؤسس لنفسه حقيقة ويقول إن قائمته كان يجب أن تحصل على 104 مقاعد laquo;لولا نظام الانتخابات ونظام التلاعبraquo;. أسألكم بالله هل هناك جهة أقدر على التلاعب من قائمة ضمت 16 وزيرا ويرأسها رئيس السلطة التنفيذية الأعلى في البلاد والقائد العام للقوات المسلحة؟ من هو أقدر ممن يمتلك الأمن والأموال والإجراءات وحرية الحركة وإعطاء التصريحات وإيقاف الإجراءات كقائمة دولة رئيس الوزراء؟ إن رئيس مجلس الوزراء الذي خاضت قائمته الحملة تحت مقولة laquo;وهج السلطة وكاريزما القائدraquo; وباسم رئيس الوزراء هو الوحيد الذي نشر آلاف الصور والملصقات في عموم العراق قبل بدء الحملة الانتخابية.. إن دولة رئيس الوزراء هو الوحيد الذي ترافقت صور المرشحين الآخرين في قائمته مع صورته، وهو بكلامه أعلاه لا يقلل من شأن الآخرين، بل يقلل من النتائج الطيبة التي حصل عليها. إن كلام دولة الرئيس حجة عليه وليس له.. وإلا، لماذا لا نذهب فورا إلى الأخ الدكتور علاوي لنقول له تول رئاسة الوزراء لأن لديك 91 مقعدا وما يقارب نصف المليون صوت في بغداد فقط، وتتقدم قائمته بالأصوات على غيرها؟ إن الحقيقة هي الحقيقة.
* يذكر المالكي أن الائتلاف الوطني يرفض ترشيحه ولا يتقدم بمرشح، وأنه يتحدى الائتلاف الوطني أن يتقدم بمرشح يحصل على 80 مقعدا، وأنه على استعداد لتجميد ترشيحه إن استطاع أحدهم تحقيق ذلك.. أو إن استطاع تحقيق 163 صوتا في البرلمان؟
- هذا سؤال جيد وحصل ويحصل فيه لغط كبير. أولا إن laquo;دولة القانونraquo; هي ليست الكتلة الأكبر لتستطيع ترشيح مرشح منها.. وأن الكتلة الأكبر هي التحالف الوطني، إن استطاع هذا التحالف الاتفاق على مرشح واحد فسوف يتم الاتفاق عليه، وإذا فشل في ذلك فإن الحق الدستوري سيعود إلى القائمة العراقية. التحالف الوطني ليس اندماجا بين قائمتين ليستطيع الأخ المالكي القول إنه صاحب الحق لأنه يمتلك 89 مقعدا، وإن الآخرين يمتلكون 70 مقعدا. فقد طرح الائتلاف الوطني الاندماج قبل الانتخابات. لكن المالكي رفض بإصرار شديد الأمر ما لم يرتبط الاندماج بآليات تضمن في النهاية اختياره للموقع، وهو ما رفضه الائتلاف، وأن التفاوض معه من قبل الائتلاف الوطني قد استمر إلى ساعة متأخرة من تقديم القائمة إلى المفوضية من دون جدوى. وبعد الانتخابات، وبعد أن توضحت الأرقام، جاءت laquo;دولة القانونraquo; هذه المرة طالبة الاندماج، ورفض الائتلاف الوطني قضية الاندماج ووافق على قضية الاتفاق شريطة أن توضع ضوابط لاختيار رئيس الوزراء، وذلك انسجاما مع موقفه قبل الانتخابات من قضية رئيس مجلس الوزراء. لذلك لم يقرر الاتفاق على تشكيل التحالف الوطني إلا بعد وضع ضوابط اتفقت عليها القائمتان، وعلى الأخ المالكي أن يحسم أمره بين مسارين، إما أن يذهب لأطراف الساحة الوطنية ليحصل على تأييدها في الأغلبية المطلقة في مجلس النواب، أو أن يذهب إلى الائتلاف الوطني ليحصل على تأييده للترشيح، لا خيار ثالثا بين الأمرين. وقد حاول وذهب إلى كل الأطراف الوطنية، ولم يحقق شيئا ملموسا أو متفقا عليه لحد الآن. نتمنى له أن يوفق في النهاية. كما أنه جاء إلى الائتلاف الوطني ولم يحصل بالإجماع على تأييد لترشيحه. وعليه فإن كلامه مطالبا الائتلاف الوطني بتقديم مرشحين وبخلافه سيفوز بالتزكية هو كلام قد يقنعه لكنه لم ولن يقنع الآخرين ولا أساس حقيقيا له. إن إشاراته إلى ما جرى في الائتلاف العراقي الموحد وأنه جاء كوريث للأخ الدكتور الجعفري، وأنه حصل على 64 مقعدا مقابل 63 مقعدا، هو كلام غريب وفيه بناءات تثير الشبهة عن وحدة المعايير المستخدمة. فبعد أزمة الجعفري جاء اختيار المالكي بالتوافق والإجماع، وليس لأنه وريث لأحد. ونتذكر جميعا أن الخيار الأول لحزب الدعوة الذي طرحه على الائتلاف العراقي لم يكن للمالكي بل كان للأديب. لكن تطورات إقليمية ودولية دفعت بالأمور إلى غير تلك الوجهة. نعود بعد ذلك لنقول إنه بعد إعلان التحالف الوطني بيومين أعلن عن بدء المباحثات بين laquo;القانونraquo; وlaquo;العراقيةraquo;، رغم تكذيبات laquo;القانونraquo; لتسريبات بعض أعضائها عن احتمالات ذلك اللقاء. لم تتم مشاورة الائتلاف الوطني.. مما يوضح نظرية الدوائر.. نأخذ أصوات الائتلاف الوطني لنفاوض بها laquo;العراقيةraquo;، ونأخذ أصوات laquo;القانونraquo; لنفاوض بها الائتلاف الوطني. فمن يضع يده في جيب من ليأكل أو يأخذ من غير حصته وحقوقه، كما يلمح دولة رئيس الوزراء؟.. ومن يسعى لاستثمار رصيد الآخر؟ فالائتلاف الوطني حدد طريقين واضحين.. إما أن يذهب مع laquo;القانونraquo; مما سيشكل 159مقعدا.. أو أن يذهب إلى laquo;العراقيةraquo; مما سيشكل 161 مقعدا. وفي الحالتين سيكون الأمر قريبا من العتبة الدستورية، خصوصا أن الطريقين يتلازمان مع حوارات واتفاقات ومفاوضات تجري مع الكردستاني والقوائم الأخرى.
* يتحدث المالكي باسم laquo;المكون الشيعيraquo; ويقول المالكي إنه لن يسلم هذا الموقع، وإنه يقف سدا ضد التدهور الذي قد يحصل، وإنه يعتبر هذه الوقفة جزءا من جهاد..
- لا شك أن دولة رئيس الوزراء يستطيع أن يتبنى الموقف الذي يراه صحيحا للدفاع عن مبادئه وعن الشعب العراقي، لكننا هنا لا نتكلم عن تيار له خطة مستقبلية لمواجهة أخطار، ولا عن معارك ومجاهدين.. كل ما يتم الكلام عنه هو توفير الآليات الدستورية لتقديم مرشح لمجلس النواب. إنه يستطيع ذلك بالارتكاز على الـ89 مقعدا التي يمتلكها الآن ليحصل على تأييد ما لا يقل عن 74 مقعدا إضافيا ليتمكن من توفير النصاب اللازم. هذا حق له ولغيره. وإذا لم يحصل على التأييد اللازم فيجب ألا يكيل الاتهامات والمشبوهيات على الآخرين الذين يختلفون معه في الرأي. أما laquo;المكون الشيعيraquo; فيجب عدم التلاعب به. وأن الدفاع عن الشيعة حق كما هو الدفاع عن السنة والتركمان والكرد والمسيحيين وغيرهم. الدفاع عن الشيعة أو غيرهم دفاع عن الشعب العراقي. والدفاع عن الشعب العراقي هو دفاع عن المكونات والجماعات والمواطنين. العلاقة متلازمة في كل حلقاتها، ولا انفكاك أو تناقض أو تصادم فيها. لكن المكون الشيعي يجب ألا يستغل مرتين، مرة لأخذ التفويض باسمه لإخضاع بقية أطراف الساحة، ومرة لفرض الاستبداد والسيطرة على المكون ذاته وعلى عموم الساحة. ثم عندما تتحقق لنا السيطرة نبدأ بالكلام عن الطائفية والخروج منها واتهام الآخرين بها. إن طائفية الأقلية التي استثمرتها جغرافية صدام حسين (حسب تعبير الشهيد الصدر) والسلوكيات الطائفية التي نراها اليوم والتي تستثمر جغرافياتها، كلتاهما مرفوضة. ونحن يجب ألا نستبطن الأشياء، فنعلن شيئا ثم نطبق أشياء أخرى. إن ذلك كله عودة لشكل من الأشكال الماضية يجب الحذر منها. في السابق يأخذون بزمام الحزب عبر قيادة تبدأ من الأعلى إلى الأسفل، ثم يأخذ الحزب عبر مفاهيم الجبهة من جهة والقمع من جهة أخرى ليسيطر على الحياة السياسية، ثم تتم السيطرة على الشعب والمجتمع وهيئاته ومكوناته، ثم تعلن الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقا وتعلن الديمقراطية الموجهة وتشكل الجمعية الوطنية لإعطاء التزكية لـlaquo;لقائد الضرورةraquo; وlaquo;الرجل القوي الذي يحكم باسم الشعبraquo; وليتهم مخالفيه بالتآمر ويهددهم بشتى التهديدات.. إن تجربتنا الحالية التي أسهم دولة رئيس الوزراء في صناعتها وهو أحد رموزها وقادتها اليوم تختلف عن ذلك تماما. إننا تعاهدنا على الالتزام بالدستور بكل ما فيه، وهو الدستور الذي كتبناه بأيدينا وقاتلنا من أجله بدعم من المرجعية الدينية العليا والقوى السياسية وشعبنا العظيم. وإن كل النقاشات والاتفاقات والتحالفات، الضرورية والمهمة بلا شك، والتي تجري خارج الأطر المؤسساتية الرسمية لن تعني شيئا إن لم تكيف نفسها مع السياقات والمسالك الدستورية.
التعليقات