علي سعد الموسى

وعلى الرغم من أنني لن أدعي إلماماً بالتفاصيل التقنية لقصة (بلاك بيري) التي تحتل سواد الخبر الاجتماعي، إلا أن القصة كلها تختصرها جملة عامة واحدة: سيل من المعلومات والقصص والصور المتبادلة بين حملة الجهاز خارج نطاق الإشراف الرسمي. هذا يعني جملة هائلة من الهواجس الأمنية والأخلاقية والمقاطع الإباحية التي لا يمكن للغطاء التقني الرسمي أن يخترقها أو يعرف أعضاء شبكة التبادل. سبب يكفي وحده للريبة من السماح بمثل هذه الخدمة المعلوماتية ولكن: قد تتمكن الجهات الإشرافية الرسمية من السيطرة على وسائط التقنية في هذا العام أو حتى فلنقل في هذا العقد من الزمن ولكن مرة أخرى: هل تستطيع هذه الأجهزة وقف هذا التسارع المخيف الذي يخترق كل الحدود الثقافية والاجتماعية. ويقال إن quot;توينبيquot; هو أول من تحدث عن quot;المدينة الكونيةquot; وأن مصطلح quot;القرية الكونيةquot; قد ظهر في ستينات القرن الماضي لأول مرة، وهو زمن رغم أنه quot;مسقط رؤوس سوادناquot; إلا أنه اليوم بدائي متخلف بمقاييس هذه اللحظة. وبحسب الرأي الافتتاحي للعدد ما قبل الأخير من مجلة quot;نيوساينتستquot;، رائدة دوريات العلم المعاصر، فإن العام 2000، الخارج للتو منذ مجرد عقد من الزمن، سيكون من العصور الوسطى بالمقارنة مع العام 2050، وهو ذروة ولادة ما يسمى بالإنسان الذكي وثورة الخلايا الجذعية وشيوع الاستنساخ وثورة الاتصال الهائلة التي ستكون معها ثورة اليوم مجرد بدايات خجولة. نحن لا نقبل إلى مجرد quot;البيت الكونيquot; بل إلى quot;الغرفة الكونيةquot; ومن المثال أن نقول إن اليابان تنتج اليوم جهازاً واحداً يختصر كل ما تتخيله من الأجهزة المنزلية الحياتية والاتصالية والترفيهية في آلة واحدة. وكلما اتسع نطاق التقنية ضاقت سيطرة الإشراف والمتابعة، وسواء شئنا أم أبينا فنحن مقبلون على زمن استباحة الحدود الثقافية والأخلاقية ثم إن التحدي الأكبر في الزمن الجديد ليس السيطرة على الحدود ولا على المعارك بقدر ما هو السيطرة على العلم وكبح تسارعه.