يوسف الكويليت

باكستان، همّ على نفسها، وعلى كلّ من له علاقة بها، فهي دولة إسلامية كبرى تقسمها الولاءات القبلية والحزبية، والقومية، وهي غنية بمواردها الطبيعية، وقابلية نجاح سكانها أسوة بجيرانهم الهنود، لكن الفساد الإداري والحكومي، أغلقا أي منفذ للإصلاح، حتى إن مؤثرات أفغانستان، وطالبان تحديداً على الشريط الحدودي الكبير، نقلت نفس العدوى للجارة الكبيرة، وصارت الورطة بين أن تحافظ على الوحدة الوطنية بهياكلها الضعيفة والقابلة للتصدع، أو تكافح الإرهاب وفقاً للضغط الأمريكي والدولي..

وسط هذه التعقيدات السياسية والاجتماعية، أحدثت الأمطار الغزيرة أكبر كارثة فيها عندما تشرد ومات ما يصل إلى عشرين مليون إنسان ، أي ما يعادل سكان عشر دول من الدول الصغيرة، وأصبحوا عرضة للأوبئة والأمراض الخطيرة، وبلا مأوى..

الكارثة فتحت عيون دول غير إسلامية بدفع المساعدات ونقل الأعداد الكبيرة من مناطق السيول إلى المواقع الآمنة، لكن العالم الإسلامي الذي يربو عدد سكانه على أكثر من مليار إنسان تعاملوا مع الموقف، وكأنه في مدارات بعيدة، وهي قضية ربما عذرها أن التبرعات والمنح والمساعدات قد لا تصل إلى أصحابها بسبب الفساد الإداري، لكن هذا ليس عذراً منطقياً إذ يمكن لهذه الدول بواسطة لجانها المرافقة وسفاراتها أن تقوم بدور الرقيب، والقضية الأخرى أن هذا العالم الكبير عجز عن أن يوفر الأموال من خلال صندوق للكوارث تساهم فيه جميع الدول وفق نسب معينة، حتى يبرز دوره في المهمات الصعبة..

باكستان ليست استثناءً، هناك دول أفريقية وآسيوية، وصلت إلى المجاعة وانتشار الأمراض وتزايد عدد الموتى بسبب الكوارث، أو التصحر، أو النهب غير الطبيعي لمواردها وهي أزمات متلاحقة أعجزت عالم المليار مسلم عن أن يتحرك وفق واجباته المفروضة عليه..

المملكة أول المساعدين والمانحين لباكستان عندما أرسلت أسطولاً من الطيران محملاً بالأغذية والأدوية، والخيام، لكن المؤلم أن هناك دولاً أخرى لديها موارد فائضة لم تستجب أو ترَ المأساة بعيون إسلامية، ولعل التفريق بين الدولة والشعب في مأساة كهذه يجب أن لا يخضع لتعليلات غير منطقية، ثم ماذا لو جاءت الهند لتقدم مساعداتها، وهي الدولة التي على خلاف دائم مع باكستان، وبنظرة إنسانية لا علاقة لها بالقضايا السياسية، ألا يُحرج ذلك دولاً إسلامية تستطيع أن تعمل وتعطي وفق إمكاناتها؟

المأساة جديرة بأن تفتح العيون على أكبر كارثة، إذ لو تقدم كلّ مسلم بنصف وجبته لاستطاعوا توفير ما يعيّش المنكوبين أكثر من عام، ولو اقتطعَ كلّ مسلم مبالغ حتى بالقروش لربما وفروا الملايين للمنكوبين، لكنه ضعف الواعز والحافز، وهي قضية أخلاقية ووعي يتناسب وتعاليم الإسلام وعطاءه.

باكستان، لو اختل توازنها السياسي والاجتماعي، فسوف تكون أسلحتها وموقعها وتباين شعبها خطراً هائلاً ليس على محيطها فقط وإنما على الخليج العربي تحديداً، وهو ما يجب أن نعيه ونراه بعيون أمنية سليمة!!