صالح القلاب
من غرائب وعجائب ممارسات 'الإخوان المسلمين' السياسية في الدول العربية التي لهم فيها وجود فعلي أنهم وخصوصاً في العقدين الأخيرين، بعد ظهور حركة حماس على مسرح العمل الوطني الفلسطيني، باتوا لا يتورعون عن عضّ اليد التي تقدمت إليهم بإحسان، ويتقصدون معاداة النظام الذي احتضنهم عندما ضاقت بهم الدنيا ولوحقوا من قبل أنظمة هم اليوم، وهذه هي المفارقة، يُسبِّحون بحمدها مع أنها بطشت بـ'إخوتهم' في بلدانها ومع أنها لا تزال تعتبرهم 'قوى رجعية' وعملاء لأميركا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.
وعلى سبيل المثال فإن 'إخوان' الأردن، الذين هم التنظيم الإخواني الوحيد ليس في المنطقة العربية فقط بل في العالم بأسره الذي نَعِمَ بحماية هيّأت له أن يصْبح حزباً رئيسياً شارك في الحكم وعلى مختلف المستويات أكثر من مرة، قد نسوا أنهم لولا الحماية التي وفرها لهم هذا النظام الذي يعادونه الآن ويقولون فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر لما كان لهم أي وجود لا تنظيمي ولا سياسي، ولكانوا مطاردين مثل 'إخوانهم' في بعض الدول العربية ما إن تخرج مجموعة منهم من السجون حتى تحلّ محلها مجموعة أخرى.
إلى بعض الدول العربية التي لا تزال تعتبر 'الإخوان' تنظيمياً ممنوعاً ومحرماً، تهمة من ينتمي إليه الخيانة الكبرى، ويعاقب من تُلصق به هذه التهمة بالشنق حتى الموت وبالرمي بالرصاص إذا كان عسكرياً، يذهب 'إخوان' الأردن ليرقصوا في أعراسها التقدمية ويهزوا أردافهم باستمتاعٍ منقطع النظير ويشتموا بلدهم ثم يعودون دون أن يُسألوا عما فعلوه ولو بكلمة واحدة أو يُستدعوا ليبرروا ما فعلوه وقاموا به.
في الأردن لـ'الإخوان المسلمين' تنظيمان، الأول هو الذي يحمل الاسم الذي يحمله 'الإخوان' في العالم كله أي 'جماعة الإخوان المسلمين' والثاني هو حزب جبهة العمل الإسلامي وذلك مع أن تنظيمهم الأم في مصر يواصل السعي ومنذ إنشائه إلى الاعتراف به كحزب سياسي له ما للأحزاب الأخرى وعليه ما عليها.
وفي مصر أيضاً فإن 'الإخوان' يستجدون المشاركة في الانتخابات المقبلة كحزب سياسي استجداءً لكن من المستبعد أن تكون هناك استجابة لاستجداءاتهم هذه والأسباب هنا كثيرة، قد يكون بعضها ان ليس كلها محقّا، أما في الأردن فإنهم كما هو معروف قد اتخذوا قراراً بمقاطعة انتخابات نوفمبر المقبل التشريعية وهذا كانوا قد فعلوه في انتخابات 1997 سعياً منهم إلى عودة شعبية كانت قد فارقتهم بسبب ممارساتهم التي سببها انتقالهم من خنادقهم القديمة إلى خنادق جديدة.
بعد مقاطعة انتخابات عام 1997 وجد هؤلاء أن عزلتهم عن الجماهير'الغفورة' التي يصرون على التحدث باسمها قد أصبحت بمنزلة هوة سحيقة، ولذلك ولتدارك هذا الانهيار فقد سارعوا إلى المشاركة في الانتخابات اللاحقة انتخابات عام 2003، مع أن القانون الانتخابي بقي هو نفسه، والآن فإن كل الدلائل والمعطيات تؤكد أن 'الشارع الأردني' لم يكترث بمقاطعتهم هذه وأنه يعتبر أن سببها أزمة سياسية وتنظيمية داخلية، وأنه أيضاً يعرف أنهم سيتراجعون عن هذه المقاطعة كما تراجعوا عن مقاطعة المرة السابقة.
التعليقات