أحمد عبد الملك
حظي المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخراً السيد حسن نصرالله الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; باهتمام بالغ على المستويين السياسي والإعلامي! وتفاوتت وجهات النظر في اتفاقها واختلافها حول أهمية أو مسوغات المعلومات والصور التي أعلنها في ذلك المؤتمر.
ولعل أول ما نود لفت الانتباه إليه هنا هو أن علينا -كمتابعين لواقع الأحداث وكقراء للجريدة- ألا نمتطي العاطفة أو تمتطينا، ونخرج عن الأسلوب الأمثل للتحليل في مثل هذه الحالات! ذلك أن النظرة الخارجية للأمور تقربنا من الواقعية أو الحيادية فيما يُطرح من قضايا على ساحتنا العربية. كما ينبغي أن تكون نفوسنا قابلة لسماع الرأي الآخر دون تشنج أو quot;غضبة مضريةquot; على الذين قد يختلفون معنا في الرأي، ولربما في الأيديولوجية.
إذ مازال العالم ينتظر صدور قرار المحكمة الدولية فيما يتعلق باغتيال رفيق الحريري! وعلى رغم اتفاق العديد من المراقبين والمفكرين اللبنانيين على أن لإسرائيل يداً في ذلك الاغتيال الجبان، كونها العدو الأول للبنان؛ إلا أنهم مع ذلك تواقون للوصول إلى من قام بعملية الاغتيال وتقديمه للمحاكمة! ولذا يميلون إلى عدم إثارة الغبار في وجه المحكمة الدولية؛ أو quot;ترويعهاquot; -كما يتصور البعض- كي يكون قرارها quot;مائعاًquot;، أو ضبابيّاً لا يطال الأصابع التي لعبت في الظلام ونفذت عملية الاغتيال.
كما أن الصور الفيلمية التي عرضها (نصرالله) أثناء المؤتمر -في رأي بعض القانونيين اللبنانيين- هي quot;عبارة عن أفلام جمعها من هنا وهناك وهي لا تشكل قناعة لدينا -كقانونيين- يمكن أن توصل إلى حقيقة القاتلquot;! ولولا ذلك لقربت عيون المحكمة من حقيقة القاتل ولكان للدولة اللبنانية موقفٌ أكثر صلابة في التحقيق.
كما أثيرت أسئلة كثيرة في هذا الصدد، مثل: من أين حصل (السيد) على تلك الأفلام ؟ ولماذا لم يقدمها للدولة اللبنانية وللمحكمة الدولية؟! (الشرق الأوسط 11/8/2010) ذلك إن كانت فيها مصلحة للبنان ولعدالة التحقيق لكشف القاتل؛ أو إدانة إسرائيل. كما أنها ستسهل عمل المحكمة الدولية؟ حيث طلب مدعي عام المحكمة الدولية الخاصة بالقضية quot;دانيال بلمرquot; خلال الأيام الماضية من السلطات اللبنانية تزويده بكل ما لدى الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; من معلومات تتعلق بمؤامرة اغتيال الحريري! ودعا مكتب quot;بلمرquot; أمين عام الحزب quot;إلى ممارسة سلطته لتسهيل عملية التحقيق التي يقوم بها مكتب المدعي العامquot;، مؤكداً أن التحقيق يسير باستقلالية تامة وquot;لا يمكن لأحد التأثير في وجهة التحقيقquot;.
وقد يكون لاعتراف quot;عملاء إسرائيلquot; ممن استجوبتهم المحكمة الدولية دور مهم في الكشف عن قتلة الحريري.
وتظل الصور التي قدمها نصرالله مجرد قرائن وليست أدلة واضحة ومؤكدة على دور لجهة ما في عملية الاغتيال! وإن كان لا يخفى علينا تعطش إسرائيل لزعزعة الأمن واستقرار لبنان بشتى الوسائل ومنها اغتيال زعمائه ورموزه السياسيين.
وعلى الجانب الآخر رفض المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية quot;اتهاماتquot; الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; حول دور إسرائيلي في عملية الاغتيال، ونفى ما جاء على لسان نصر الله! وقد برز السؤال في إسرائيل على النحو التالي: لماذا لم يقدم نصرالله تلك الشواهد إلى الحريري نفسه كي ينقذه من الموت؟ ولماذا لم يسلمها إلى المحكمة الدولية؟ أو إلى الاستخبارات اللبنانية كي تتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الجريمة؟! وتلك أسئلة -وإن بدت للإسرائيليين مشروعة- إلا أنها حقيقة تصب في خانة اتهام quot;حزب اللهquot; ومحاولة الإيقاع بين الفرقاء اللبنانيين. وقد رأت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نصرالله كان يدافع عن نفسه، ولم يكن في ما قدمه خلال المؤتمر الصحفي ما يدين إسرائيل لأنه لم يقدم برهاناً على ذلك. ورأى محللون نفسيون إسرائيليون أن نصر الله كان يدافع عن نفسه، وافتقد البريق والتركيز والإقناع الذي كان يظهر عليه في السابق!
إذن نحن أمام وجهات نظر مختلفة أو متناقضة أو ملتبسة حول ما قدمه نصرالله في مؤتمره الصحفي قبل أيام، وقد تكون لديه معلومات جديدة أخفاها! وإن كانت ذات أهمية فلن تساعد المحكمة الدولية بعد أن يصدر قرار الاتهام! بل إن ظهرت بعد القرار فسيضعف جانب العدالة والحق. ونحن نعتقد أن quot;القرائنquot; التي قدمها (السيد) في مؤتمره الصحفي لن تقدم شيئاً في سير المحكمة كونها تفتقد دلالتها البرهانية، وتشكل قرائن -حسبما ذكره هو نفسه، وهي أمور لا تعتد بها المحكمة الدولية كثيراً.
إن العالم يتطلع إلى كشف الحقيقة في مقتل الحريري، الحقيقة كاملة غير منقوصة، حتى لو كانت مؤلمة للبعض! وإن أية معلومات ستؤدي إلى هذا الهدف ينبغي أن تُقدم وتُنشر قبل صدور قرار المحكمة وليس بعده. ذلك أن إخفاء الشهادة أو البراهين -في قضية كبيرة كهذه- يعتبر خيانة للوطن وعرقلة للعدالة. ومن حق الشعب اللبناني كله أن يعرف قاتل الحريري ومن يقف وراءه! لأنه رمز من رموز بناة بلده، وله أيادٍ بيضاء على لبنان كله.
التعليقات