سمير عطا الله

كتبت مرة أنني لا أحب أسلوب ميخائيل نعيمة. وكان للأديب المغربي أحمد عبد السلام البقالي مقال أسبوعي في laquo;الرأيraquo; فخصصه يومها للرد علي. أعرب عن إعجابه بنعيمة وسخطه على من يرفضون تقديره. وبدا الأمر مثيرا: أديب من المغرب يعلم كاتبا من لبنان كيف يقدر أحد رموزه الأدبية.

بعد فترة ذهبت إلى الرباط حيث كان البقالي من كبار موظفي الديوان الملكي. والتقينا صدفة في بهو laquo;الهيلتونraquo;، فاندفعنا يعانق بعضنا بعضا. وأصر بإلحاح على عقد ندوة يجمعني فيها بزملائه من المفكرين. لكن الوقت كان ضيقا والسفر وشيكا. وقلت له: أحب أن أعدك بشيء، وعدا أخلاقيا.. سوف أعيد قراءة ميخائيل نعيمة وكأنني لم أقرأه مذ كنت في الرابعة عشرة.

بدأت شيئا لم ينته حتى الآن. لم أتوصل إلى الإعجاب بأسلوب نعيمة، فهو بالنسبة إلي مدرسة لم تجتذبني، منها أيضا مارون عبود. لكنني كلما عدت إلى نعيمة (وإلى أبي محمد عبود) أدركت كم كانت مساهمته قيمة في آداب أوائل القرن الماضي. كان نعيمة من شيوخ الاجتهاد والكد في الأدب. وفي سبيل ذلك عانى الكثير وتنقل في أعمال ومشاق كثيرة. وربما بسبب تلك الصعوبات غابت الطراوة عن أسلوبه، تلك الطراوة التي ميزت أسلوب رفيقه وصديقه جبران خليل جبران.

علمني أحمد عبد السلام البقالي أن أبقي في نفسي حيزا للشك في المقدرة على إصدار الأحكام. وقد كان الوحيد الذي تكبد عناء الرد، لكن كثيرين على الأرجح تضايقوا من الخفة التي تناولت بها واحدا من كبار الأدباء في المشرق. وقد أحزنني مؤخرا نفي أحد كبار أدباء المغرب، الأستاذ البقالي. فعندما توقف عن كتابة مقاله الأسبوعي لم أتوقف عن متابعة مؤلفاته وكتاباته الدسمة والزاخرة. ولا توقفت عن إرسال (وتلقي) التحيات إليه عبر أصدقاء مشتركين. وكم آلمني عندما سمعت أن المرض توقف بثقله وعذاباته عند باب هذا الرجل النبيل.

لم يكن البقالي يمثل مدرسة فكرية مثل مواطنه وزميله الألمعي محمد عابد الجابري. لكنه كان بالتأكيد يمثل مدرسة أخلاقية تعلم الكُتاب التأمل والتمهل قبل التعرض للمعلمين الكبار.