سعد بن طفلة

ذاك في رأيي الغباء بعينه، هو منتهى الطائفية والحماقة السياسية، وهو قمة الجهل بالتاريخ، وغياب الوعي عن فهم الواقع. شراك تدفع بها المؤسسة الدينية السياسية الحاكمة في طهران، ونقع بها جهارا نهارا بمحض إرادتنا وعن سبق laquo;غباء وحمقraquo;. كتبت وآخرون محذرا من المسلمات الطائفية، وأهمية الانتباه للتعميم في الحكم على الطوائف، خاصة التعميم على الشيعة في العالم، والقول بأنهم مؤيدون لإيران السياسية. فرق بين أن تكون شيعيا ترى في إيران ارتباطا روحيا ومذهبيا معك في زمن الشحن الطائفي، وأن ترى إيران محقة في سياستها بالتدخل في شؤون الآخرين وتصدير ثورتها من الضاحية الجنوبية ببيروت حتى صعدة في شمال اليمن، مرورا بالبحرين والعراق والكويت وغيرها. فرق أن تشعر برابط ديني مع أماكن دينية مثل قم ومشهد والمزارات الدينية الشيعية بإيران، وأن تكون مؤيدا ومتبنيا لنظرية ولاية الفقيه. فرق بين أن ترى في بعض العمائم كشيعي رباطا وهيبة دينية، وأن تؤيد سياسة الباسدران في قمع مظاهرات الشعب الإيراني. فرق بين أن تحب زيارة إيران للسياحة الدينية والطبيعية وغيرها، وأن تؤيد سياسة تعريض الشعب الإيراني للحصار من أجل طموحات سلطوية سياسية في الحصول على القنبلة النووية. فرق بين أن تكون من أصول فارسية وتشعر بنوع من التعاطف مع الإيرانيين كشعب، وأن تؤيد سياسة بلادهم التي تتبنى شعارات دينية غارقة في القدم، وبعيدة عن الترجمة على أرض الواقع. هذا الرباط بين الشيعة وإيران - عربا أو غير ذلك - لا يدخلهم في خانة الخيانة أو التبعية لإيران بأي حال من الأحوال. فكثيرون من السنة - كانوا وما زالوا - يعتبرون بن لادن بطلا، وكثيرون منهم - كانوا وما زالوا - يعتبرون الملا عمر أمير المؤمنين، ويرون في طالبان المنقذ الأكيد، لكن ذلك لم يدفعنا للتعميم على أهل السنة بتبعيتهم لأفغانستان، ولا بخيانة السنة - بالجملة - لبلدانهم الأصلية.

فرز قاتل يتشكل في أذهان الشباب وصغار السن، ويكرسه رجال الدين السياسي على ضفتي الخليج العربي.. laquo;الشيعةraquo; كلمة لها مدلولات نفسية ولغوية وسياسية واحدة: إيران. وكلمة السنة ترتبط ارتباطا شرطيا مباشرا بالعرب. مفاهيم مدمرة تراها تتكرس أمام ناظريك كشاهد عيان بيان على تشويه الحقائق لتداخل الدين بالسياسة. التشيع مذهب، لا جنسية له، والسنة مذهب يتجاوز أهله الحدود والجنسيات والجنس والألوان والقوميات واللغات، تماما مثلما الإسلام والمسيحية والبوذية واليهودية لا جنسية لها، ولا ترتبط بقومية أو بلد محدد.

صحيح أن إيران ترفع لواء الدولة الدينية الشيعية، وهي بذلك لا تخفي علانية مذهبيتها التي ثبتتها في دستورها كتابة، لكن التسليم بهذا الأمر هو استسلام لطروحات الدين السياسي، وتخل عن الطرح المدني في مواجهته، وتنفيذ لما تطمح له سياسة إيران الجمهورية: أنا أمثل الشيعة وأدافع عنهم في العالم، وسوف أستثمر أي ظلم يقع عليهم لتعزيز تبعيتهم والهيمنة عليهم. الشيعة ليسوا أغبياء، وغالبيتهم يدركون ذلك، وقلة مدعومة بالمال والصوت والإعلام والمخابرات تحارب أي صوت يمكن أن يقف في وجه إيران ولاية الفقيه.

الصوت الإيراني السياسي لحشد الشيعة لتأييد إيران، هو صوت عال في لبنان - حزب الله، لكنه ليس صوت الطائفة الشيعية كلها، والقول بتحكم إيران بشيعة العراق تدحضه مراوحة تشكيل الحكومة منذ ستة أشهر، رغم أن غالبية الفائزين بالانتخابات من أحزاب شيعية، والمرجعية الدينية للنجف تفوق بأتباعها أتباع ولاية الفقيه أضعافا مضاعفة.

الشحن الطائفي الذي تصدّره إيران يتلقفه الطرف العربي ويعززه بغباء طائفي متخلف، مما خلق وهما جديدا كارثيا بفرسنة (من الفرس) الشيعة وعوربة (من العرب) السنة.