داود الشريان


في الفضائيات المصرية أصبح كل شيء مصرياً. مصر تعيش حالاً من الاكتفاء الذاتي هذه الأيام. هل قرر المصريون الانغلاق والعزلة عن محيطهم العربي، والانكفاء على أنفسهم؟ هل يحاولون اثبات ان مصر مخزن للمواهب والنجوم في كل مجالات الحياة والفن، وان في إمكان الفضائيات المصرية ان تستقطب المشاهد ببضاعة مصرية، وتستغني عن بقية العرب؟

لاشك في ان الفضائيات المصرية الغت القوائم الانتقائية التي كان يمارسها الإعلام الرسمي. فتحت الباب على مصراعيه لجميع المصريين، بصرف النظر عن مواقفهم وانتماءاتهم الفكرية والثقافية. الفضائيات المصرية اشركت جميع المبدعين المصريين من دون تصنيف. لم تعد هناك أسماء ممنوعة، وأخرى مرضي عنها. هذه السياسة كشفت طابوراً طويلاً ومتنوعاً من المبدعين في مجالات الاقتصاد والإدارة والفن والثقافة والصحافة والطب والهندسة... فضلاً عن ان الفضائيات المصرية انفتحت على صحافيين من خارج الصحف القومية ، واستبدلت الشباب بالشيوخ، وأعطت الفرصة لأسماء لم تكن معروفة في مجال التلفزيون. نفضت الغبار وتحررت من الصيغ الجاهزة ولفتت الانتباه. والتغيير لم يقتصر على المبدعين والمقدمين والبرامج والضيوف، حتى الإعلانات في الفضائيات المصرية اصبحت مختلفة عنها في بقية الفضائيات العربية، في المنتج وأساليب العرض، واللغة الإعلانية. نحن أمام حالة تلفزيونية مصرية كاملة تتشكل على نحو جديد يعدّ سابقة، وهي حالة تملك كل مقومات النمو، والتطور، والمنافسة. تعداد سكاني هو الأكبر على مستوى المنطقة، وعجلة صناعية ضخمة ، وبنية اعلامية وثقافية جبارة، ومخزون كبير ومتنوع من المثقفين والصحافيين والفنانين والمبدعين. والسؤال مرة أخرى: هل ستعود مصر الى الهيمنة على صناعة التلفزيون، كما كانت، أم ستكتفي بما عندها، وتنعزل؟

الأكيد ان صناعة التلفزيون في مصر تعيش مرحلة جديدة، ومصر لا تستطيع أن تنعزل، فضلاً عن انها لا تريد. والنتيجة اننا في صدد مرحلة مزدهرة لصناعة التلفزيون في العالم العربي. هذه الصناعة عانت كثيراً من غياب المصريين عن ميدان المنافسة، لكن دخول مصر اليوم سيكرس دور المتميزين والمبدعين، ويخلّص السوق من الدخلاء، ويعيد الى مصر دورها القديم.