وليد شقير


انطلقت المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية في واشنطن في سباق مع الفشل، لا يحتاج تبريره عند الذين يتوقعونه الى كثير من الشرح، أمام غياب الرؤية الأميركية الواضحة حول سبل تليين الموقف الإسرائيلي، فلا جديد على صعيد الدور الأميركي سوى ذلك الوعد من واشنطن للسلطة الفلسطينية بأن laquo;ادخلوا المفاوضات ونحن سنتدخل حيث نستطيع للضغط على إسرائيل داخل الغرف المغلقة، بدلاً من أن نفعل ذلك علناً لأن التجربة أثبتت عدم نجاحه قبل ان تبدأ المفاوضات. فمحاولة تغيير الموقف الإسرائيلي قبل بدئها تقوّض جهودناraquo;. وهو وعد يبدو التأكد من مدى فعاليته ضرباً بالرمل، خصوصاً ان المفاوضات ستدوم سنة، وفق ما هو مقرر لها بحسب المبادرة الأميركية بالدعوة إليها.

الأسباب الكثيرة لتوقع الفشل، لا تنحصر بتراجع الاندفاعة الأميركية نحو لجم التصلب الإسرائيلي في مواضيع الاستيطان والقدس وقضايا الحل النهائي وإخلاء الأسرى كواحدة من إجراءات بناء الثقة، ولا بضعف المفاوض الفلسطيني الذي يزيده ضعفاً الانقسام الداخلي، ولا بالضعف العربي وغياب الحد الأدنى من القدرة على الضغط على الساحة الدولية لمصلحة التسوية السلمية.

لكن توقع الفشل في هذه المفاوضات لا يمنع القول إنها تطلق مساراً في المنطقة من بين أهدافه، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من امس، صد المتطرفين، من دون ان يعني ذلك التوصل الى اتفاق حول نشوء الدولة الفلسطينية العتيدة.

وإذا كانت الإدارة الأميركية ترعى هذه المفاوضات مع إدراكها سلفاً ترابط الملفات الإقليمية، فإن سؤالاً كبيراً يضاف الى الأسباب الكثيرة المعروفة لتوقع الفشل هو laquo;أين إيران من هذه المفاوضات وهل من الممكن توقع نجاحها من دون إشراك إيران في تلك العملية السلمية لحل القضية الفلسطينية بعد ان نجحت في امتلاك أوراق كثيرة شرق أوسطية على مدى السنوات الخمس الماضية؟raquo;.

وإذا كانت واشنطن جلبت احد المتطرفين الى الطاولة وهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، فأين laquo;المتطرفraquo; الآخر، إيران؟ وإذا كانت الرؤية الأميركية ndash; العربية هي سحب بساط القضية الفلسطينية من تحت أقدام إيران، عبر هذه المفاوضات في سياق تحرك المجتمع الدولي لعزلها وتشديد العقوبات عليها، فإن هذا المسار ينقل الصراع في المنطقة الى مستوى مفتوح على الاحتمالات كافة.

لقد أعطت طهران أجوبة أولية علنية على هذا المسار عبر عملية الخليل التي تنبتها حركة laquo;حماسraquo; بقتل 4 مستوطنين، وعبر هجوم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني على المفاوضات ثم وزير الخارجية منوشهر متقي الذي شمل في هجومه الزعماء العرب المشاركين فيها من دون مواربة، ثم الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي قال الأمور كما هي لتلفزيون laquo;العالمraquo; قبل يومين حين دعا الى إشراك laquo;الممثلين الحقيقيين للشعب الفلسطيني في أي اجتماع لمناقشة القضية الفلسطينيةraquo; معتبراً حكومة laquo;حماسraquo; هي المنتخبة من الشعب... انتهاء بهجوم laquo;حزب اللهraquo; في لبنان على تجديد هذه المفاوضات الى درجة الربط بينها وبين تداعيات حادثة الاشتباك بين مسلحيه وآخرين من تنظيم حليف له مبدئياً، في أحد زواريب حي في بيروت (برج ابي حيدر) وإلى درجة إلباس رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري موقفاً مرحباً بالمفاوضات لم يرد مرة على لسانه، لتبرير الربط بين الزواريب اللبنانية وبين العملية التي انطلقت في واشنطن.

فالحريري اكتفى في خطاب له في 24 آب (أغسطس) الماضي بالقول عن المفاوضات: laquo;نأمل ألا تذهب أدراج الرياح كسابقاتها من المفاوضات وأن تلتزم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيraquo;، محذراً، ضمناً، واشنطن من انه laquo;سيكون من الصعب على أي إدارة دولية ان ترعى أية مفاوضات أخرىraquo; وأنه laquo;إذا وصل الرئيس محمود عباس الى الحائط المسدود كما وصل قبله ياسر عرفات لن يكون في مقدور أي جهة ان تجمع أي فلسطيني الى طاولة واحدة مع الإسرائيليينraquo;.

والواقع أن الذي رحّب بالمفاوضات الأسبوع الماضي هو مجلس الوزراء السعودي، ويبدو أن قيادة الحزب أرادت الرد عليه عبر إلباس الحريري الموقف الذي لم يقله، للرد على الرياض بالواسطة.

يعبر موقفا إيران و laquo;حزب اللهraquo; عن قلق عميق من المسار الذي انطلق في واشنطن. وهو قلق يزداد عمقاً في لبنان من التفاهم السعودي ndash; السوري، على ملفات إقليمية، ومن احتمال انضمام سورية الى المفاوضات مع إسرائيل مجدداً وفق ما يتردد في كواليس التحركات الديبلوماسية، وكما أعلن المبعوث الأميركي جورج ميتشل. وهو قلق يتضاعف إذا كان مسار واشنطن سيتزامن مع تحضيرها لرزمة جديدة من العقوبات على إيران مع مطلع الشهر المقبل.

لكن الأهم أنه قلق يصبح شديد الخطورة إذا افتعل اصحابه اسباباً للربط بين ما يجري في واشنطن وبين تداعيات ما جرى في أحد الأزقة في بيروت، لتبرير وجود السلاح فيها.