حسن عبدالله جوهر


هذا الشكل من التعاطي الانفعالي مع القضايا الطائفية يثبت بلا شك أن الطائفية مغروسة حتى النخاع في قلوب البعض، ولم يعد يشفيها لا دواء ولا علاج سواء كانت سبل الوقاية نصيحة ولاة الأمر أو المرجعيات الدينية العاقلة والمتبصرة أو أهل الحكمة ورجاحة الرأي أو حتى القانون وهيبة النظام العام.

شهد يوم الثلاثاء الماضي إحدى المفارقات العجيبة والمحزنة في ملف ما بات يعرف بالوحدة الوطنية، حيث شهدت ظهيرة ذلك اليوم اجتماع لجنة الظواهر السلبية البرلمانية، وبحضور رئيس الحكومة وعدد من الوزراء المعنيين بشكل مباشر في تولي هذه القضية التي تحولت بالفعل إلى هاجس مخيف يهدد أركان المجتمع والدولة، وفي المساء كان الموعد مع كلمة حضرة صاحب السمو أمير البلاد بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والتي احتلت فيها مبادئ الوحدة الوطنية ركناً مهماً وعكست قلقاً مسؤولاً وحرصاً كبيراً من لدن والد الجميع بشأن هذا الأمر.

ولكن المفارقة العجيبة كانت سيل التصريحات النيابية على خدمة الرسائل الهاتفية القصيرة التي تضمنت تراشقاً حاداً بين مجموعة كبيرة من النواب شملت عبارات الطعن والاتهام والتحريض التي تعصف بأي محاولات جادة للتعاطي مع هذه القضية الحساسة بحكمة وعقلانية، ومن المؤكد أنها تنسف مشاريع تعزيز الوحدة الوطنية أو تؤخر ترجمتها ميدانياً وعملياً بشكل كبير!

وهذا الشكل من التعاطي الانفعالي مع القضايا الطائفية يثبت بلا شك أن الطائفية مغروسة حتى النخاع في قلوب البعض ولم يعد يشفيها لا دواء ولا علاج سواء كانت سبل الوقاية نصيحة ولاة الأمر أو المرجعيات الدينية العاقلة والمتبصرة أو أهل الحكمة ورجاحة الرأي أو حتى القانون وهيبة النظام العام، والدليل على ذلك المقالات الصحافية الكثيرة والمملة والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية المتخصصة في هذا الشأن.

وحتى منطق الوحدة الوطنية يبدو أنه تحول إلى الواجهة التي يتحصن خلفها البعض لتبرير الضرب الطائفي، حيث يرمى دائماً بأوراق الطائفية على محك الوحدة الوطنية وتبرر إثارتها بأنها تهدف إلى تحصين المجتمع ونسيجه الاجتماعي والمحافظة على تماسكه، ويرفض المتسلقون على حبل الطائفية وبشدة اتهامهم بهذا الوصف، بل يستنكرونها تماماً.

فقد بات فعلاً من المحزن ونحن نستقبل أفضل الأوقات وأقدسها على الإطلاق وتستعد النفوس والأرواح للعروج عالياً في أجواء الليالي المباركة من شهر رمضان وتحديداً العشر الأواخر منه وليلة القدر التي يتسابق فيها المسلمون إلى الفوز برضا الله والعتق من النار من خلال الدعاء لبعضهم البعض، وإذا بجملة من المقالات أو المواقع الإلكترونية أو الفضائيات أو التصريحات الإعلامية من شخصيات يفترض أن تكون القدوة الحسنة تعكر هذا الصفاء بل وتعمل على تعميق الجراحات.

والتصعيد الأخير الذي إن كان تبريره الموقع الإلكتروني لبعض الشيعة من جهة وإحدى القنوات الفضائية لبعض السنّة من جهة أخرى، يبقى عذراً ظاهرياً وإن حاول البعض من كلا الفريقين أن يثبت غيرته على المعتقدات والمقدسات سواء من تلقاء نفسه أو نزولاً واستجابة للضغط الشعبي، ولكن يبقى القول بأن النفوس بالفعل مشحونة وهائجة ومعرضة للنفخ باستمرار وبشكل منظم وتنتظر فقط الشرارة لتتوقد وتنفجر، وحتى لو لم تكن مثل هذه المادة الجديدة متوفرة لاختلق البعض مبرراً آخر للإثارة والتصعيد.

وقلناها مراراً وتكراراً إن النجومية وسطوعها على أوتار الطائفية هو الطريق الأسهل الذي يمكن أن يحولك إلى المدافع عن العقيدة والطائفة والمذهب، وقد توصف بالجبان والضعيف والمجامل إذا تخليت عن مبدأ الضرب الطائفي بقوة، ولكن الفروسية والشجاعة أن تحمل بالفعل هم الأمة بجميع فئاتها وشرائحها وأن تساهم بالقول والفعل في تعزيز مفهوم التعايش السلمي وأن هذا البلد يسع الجميع.

ويبقى هناك محك واحد لإثبات المصداقية في التعامل مع ملف الطائفية ولو بقوة القانون، وهو أن يتم إدانة ومعاقبة كل من تسول له نفسه زرع الفتنة في هذا المجتمع مهما علت رتبته وأياً كان اسمه ومهما كانت درجة قدسيته عند ربعه، فهذا هو الميدان الحقيقي لمحاربة الطائفية، فليتقدم له الفرسان إن كانوا فرساناً!