محمد صلاح


كنا في رحلة عمل إلى الولايات المتحدة مع بعض الصحافيين والإعلاميين العرب حين عقد لقاء مع القائمين على مركز أبحاث مهتم بدراسة أحوال الديانات وحرية العقيدة. لم يكن الأميركيون روّعوا بعد بأحداث أيلول (سبتمبر) 2001 إذ كانت الرحلة قبلها بسنتين. خلص القائمون على المركز في النقاش معنا إلى أن العداء للعرب والمسلمين ليس ظاهرة في المجتمع الأميركي وأن هذا العداء يبرز في الإدارة الأميركية وكذلك بالطبع لدى جماعات الضغط اليهودية وفي وسائل الإعلام، وأن المواطن الأميركي العادي لا يعرف أصلاً شيئاً عن الإسلام أو الدول الإسلامية أو القضايا العربية، وأن قضية الطفل الكوبي غونزاليس الذي فر مع والدته من كوبا إلى الولايات المتحدة وقتها وطالب أبوه باسترداده، وهي القصة التي شغلت وسائل الإعلام الأميركية وقتها، أهم بكثير لدى المواطن الأميركي من القضية الفلسطينية التي لا يعرف عن تفاصيلها شيئاً. وأن غالبية الأميركيين يستغربون نشر أخبار عن القضية الفلسطينية في بعض الصحف الأميركية ولو بمساحات ضيقة جداً، ليس كرهاً بالفلسطينيين ولكن لأنهم يرون أن القضية لا تخصهم ولا يعرفون عنها شيئاً. وكي يبرهن القائمون على المركز على صحة كلامهم عرضوا علينا فيلماً تسجيلياً يحوي آراء لمواطنين أميركيين عن الإسلام، وضجت القاعة بالضحك، وكان الفيلم من النوع الكوميدي، عندما أجاب مواطن أميركي كان يسير في الطريق على سؤال: ماذا تعرف عن الإسلام؟ إذ جاءت الإجابة: laquo;أعتقد وقد أكون مخطئاً أنه دين!!raquo; وانقلب الضحك إلى حزن بين الحضور عندما سأله المذيع: دين من؟ حيث ظهر المواطن الأميركي فخوراً بأن إجابته كانت صحيحة، وبدا طامعاً في مزيد من النجاح أمام كاميرا التلفزيون، وأجاب من دون تردد: laquo;أعتقد أنه دين دولة إسرائيل!!raquo;. مغزى الحكاية أن ذلك الرجل لا يعرف إلا ما هو قليل عن الإسلام والعرب، وحتى عن إسرائيل، وكل ما يهمه هو مسكنه وشارعه والحي الذي يقيم فيه، أو المدينة التي ينتمي إليها، ثم ولايته وحكومتها التي توفر الخدمات له ثم دولته التي توفر له الحماية والأمان. ولكن كل الأميركيين عرفوا الإسلام مع أحداث أيلول (سبتمبر) فكانت بداية مؤلمة بالنسبة إليهم. لم يفكر المواطن الأميركي وقتها لماذا جرى ما جرى وما هي الظروف والأسباب التي أدت إلى هذا العداء، وفجرت الرغبة في الانتقام لدى بعض المسلمين، ومع اقتراب ذكرى الهجمات يكرر الأميركيون انتقامهم. ومع التسليم بأن لا مبرر للإرهاب أو القتل أو سفك الدماء إلا أننا لا يمكن أن نغفل دوافع قد تتولد لدى بعضهم وتكون سبباً في وقوع الكوارث. فالإدارة الأميركية قلقة على جنودها في أفغانستان كما تخوفت تقارير صحافية كرد فعل على التهديدات بحرق القرآن!

هل يتفهم المسلمون قصر اليد الأميركية تجاه الراغبين في حرق المصاحف وهم يرون الأيدي الأميركية الطويلة التي تطول كل مكان؟ هل يتحمل كل المسلمين أخطاء نفر قليل منهم، وهل على كل الدول الإسلامية الآن أن تكبح جماح مواطنيها الذين سيعترضون على حرق القرآن؟ هل يتفق الموقف الأميركي الرسمي الضعيف مع كلام الرئيس باراك أوباما الذي أُطلق من القاهرة، ووجهه إلى الأمة الإسلامية قبل أكثر من سنة؟ هل لحرق المصحف علاقة بالتسامح وإعادة الثقة بين الشرق والغرب؟ أما هؤلاء الذين دعوا إلى الحدث فلا يلومون إلا أنفسهم أو عقولهم حين تقع الكارثة فلا يتحملونها، أما جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي ترفع لافتات الحرية للمجتمع فإن صدقيتها صارت في مهب الريح، حيث لا مجال لتبرير الاعتداء على دين سماوي بالحرية، فتلك المنظمات نفسها تضغط على حكومات عربية وإسلامية إذا تعرض مواطن غير مسلم لمكروه في حادث غير مدبر أو ارتكب بعيداً من أي دوافع طائفية. لكن أهم ما أبرزته الدعوة الى حرق المصاحف أن الذين كانوا يعتقدون بقوة الرئيس الأميركي أوباما باتوا على علم بالواقع والحقيقة إذ احترقت صورته وربما مكانته حتى بين من كانوا يعتقدون أن له قوة.