كيف تصبح طائفياً في ثلاثة أيام؟
خلف الحربي
الأمر الذي يجب أن ندركه جيدا هو أن الكثير من الدول تدرك أنها لن تستطيع اختراق ديارنا الآمنة ومجتمعاتنا المرفهة إلا من خلال الثغرة الطائفية، وهي دول تملك النفس الطويل والخبرات الكافية لمتابعة العناصر المأزومة وتحريكها بين وقت وآخر حتى تتشبع الأرض بالكيروسين.
يعتقد الكثيرون منا أنهم يملكون المناعة الكافية التي يمكن أن تحميهم من التحول إلى أشخاص طائفيين، ولكن ما لا يدركه هؤلاء أن فيروس الطائفية قادر على إعادة ابتكار نفسه بين وقت وآخر حتى تأتي اللحظة التي تصبح فيها كل مضاداتنا الحيوية عديمة الجدوى، يستطيع أي واحد منا أن يستعرض أسماء أصدقاءه وأحبابه الذين يعتنقون مذهبا آخر، أو أن يستشهد بمواقف من ذاكرته تدل على تسامحه الشديد، أو أن يستعيد ما قرأه من كتب تدعو لنبذ الطائفية، ولكن هل كل ذلك يمكن أن يمنحه فعلا حصانة ضد الأمراض الطائفية التي قد تداهمه على حين غرة؟!
إن المسألة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير؟ فالعواصف الطائفية التي أصبحت تهب علينا في كل الفصول بإمكانها أن تعصف بقناعات أكثر الناس انفتاحا، فيتحول إلى مجرد مسمار صغير في نعش التسامح، لذلك يحتاج الإنسان إلى تدريب نفسه بشكل دائم إلى تقبل فكرة أن هذا العالم يتسع للجميع، وأن انتماءه إلى أي فكرة يتحول إلى العدم حين تختفي الانتماءات الأخرى.
التعميم هو الطريق السريع نحو الطائفية، فحين يقوم شخص ما أو مجموعة من الأشخاص ينتمون إلى طائفة دينية معينة بالإساءة إلى مذهب آخر لا يصح أن نقول إن جميع أتباع هذا المذهب مشحونون بالكراهية، أو إن هذه المجموعة المتعصبة عبرت بصراحة عما تخفيه الأغلبية من أحقاد دفينة، التعميم هو كارثة الكوارث. فنحن نردد صباح مساء المثل الذي يقول إن أصابع الإنسان ليست سواء، ولكن ما إن يخرج شخص موتور من الضفة الأخرى ويرشقنا بسهامه الطائفية حتى نشحذ سكاكيننا لقطع جميع الأصابع صغيرها وكبيرها، ونحن نردد أغبى عبارة في هذا العالم: 'كلهم مثل بعض'.
كما أن حكاية احترام معتقدات الآخرين يمكن أن تتحول إلى مزحة ثقيلة الدم ما لم نقنع أنفسنا بأن الآخرين مثلنا تماماً من المستحيل أن يقتنعوا أنهم على خطأ... وإلا لما اختلفت قناعاتهم عن قناعتنا، وأن إيمانهم بمعتقدهم لا يلغي إيماننا بمعتقدنا، وأن ثمة الآلاف من تجار الطائفية يستمدون وجودهم وأهميتهم من نشر الكراهية وبث روح العداء، وهم يفعلون ذلك بسوء نية غالبا، وأحيانا بحسن نيه، وإن هؤلاء مهما بلغوا من الجهل والتعصب إلا أنهم يملكون قدرة عجيبة على اختطاف العقل في لحظة مظلمة، نعم نحن نسخر منهم في أوقات الرخاء ونتهكم على أطروحاتهم الجاهلية حين نجلس في المقهى، ولكن يجب عدم الاستهانة بقدراتهم في الأيام العاصفة، فأجهل جاهل فيهم قادر على تجنيد أعقل عاقل فينا في لمح البصر، فهم يملكون خبرات جيدة في الضغط على المناطق المؤلمة في الدماغ فيصرخ العقل فجأة: 'لا أريد أن أفكر'.
أما الأمر الذي يجب أن ندركه جيدا فهو أن الكثير من الدول التي لديها أطماع مكشوفة تدرك أنها لن تستطيع اختراق ديارنا الآمنة ومجتمعاتنا المرفهة إلا من خلال الثغرة الطائفية، وهي دول تملك النفس الطويل والخبرات الكافية لمتابعة العناصر المأزومة وتحريكها بين وقت وآخر حتى تتشبع الأرض بالكيروسين، وحينها لن تحتاج إلى أكثر من شرارة صغيرة... مجرد شرارة تافهة كي يشتعل الحريق الكبير، وحين يشتعل الحريق الكبير سوف نكون طائفيين رغما عن أنوفنا... لأننا لا نملك خياراً آخر.
تكويت الطائفية!
حسن عبدالله جوهر
لعل السؤال الأهم والأخطر الذي يشغل أذهان الكثير من الناس، في خضم الأحداث المؤسفة والأجواء الكئيبة التي تعصف بالمجتمع الكويتي من جراء الاحتقان الطائفي وانعكاساته المتصاعدة على الأرض بشكل غير مسبوق، هو حول كيفية التعامل مع هذا الملف الناري وإخماد هذه الفتنة فوراً.
وسبق أن أشرنا مراراً وتكراراً في موضوع التصعيد الطائفي إلى أن التعبئة المذهبية والنفسية للعواطف والمشاعر قد بلغت مرحلة متقدمة جداً، وباتت مسيطرة تماماً على عقول العديد من الأفراد والجماعات لدى السنّة والشيعة على حد سواء، كما أن الاستحقاقات السياسية خصوصاً لدى أعضاء مجلس الأمة والتزاماتهم أمام ناخبيهم قد تكون بمنزلة الماكينة التي لا يمكن أن تهدأ لبلوغ النجومية الشعبية أو المحافظة عليها، ثم تأتي وسائل الإعلام والاتصالات لتوثق مثل هذه الأحداث وتفاعلاتها أيضاً بطريقة دعائية شعارها 'التوب لويد'.
ولم تعد التصريحات الحكومية ولا المناشدات العقلانية ولا حتى توجيهات القيادة السياسية وتحذيراتها المتكررة مجدية في وقف هذا القطار المندفع، ولعل نموذج 'التحدي عبر الندوات' خير دليل على ذلك وبغض النظر عن نتائجها وردود الأفعال عليها حتى هذه اللحظة.
وما يؤكد أن الأبعاد الحقيقية للفتن الطائفية الكويتية منبعها الأساسي سياسي حتى النخاع هو طريقة استثمار التطاول الأخير على أمهات المؤمنين وتحديداً السيدة عائشة (رضي الله عنها) وربطها بالندوات الجماهيرية من جهة ورفع سقف المطالبة حتى سحب جنسية مؤجج هذه الفتنة الجديدة، وانحسار دائرة التصعيد السياسي بأعضاء مجلس الأمة إضافة إلى المرشحين السابقين لعضوية البرلمان ممن لم يوقفوا في الانتخابات السابقة!
فالمسألة فاقت الانتصار للعقيدة والدفاع عن عرض النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فرغم الإجماع السني الشيعي على إدانة ما اقترفه فرد أقل ما يمكن أن يقال عنه 'نكرة' والبيانات والتصريحات التي عبرت عن شجبها الصريح من قبل شخصيات سياسية وأخرى دينية وأخرى من النخبة المثقفة وحتى عائلة الحبيب نفسها، فإن ذلك لم يشفع في التهدئة وتغليب المصلحة الوطنية العامة وحفظ النسيج الشعبي أو ما تبقى من المزيد من التمزيق.
وما يؤكد أيضاً الخصوصية السياسية والمحلية بالذات في هذه القضية الأخيرة انحسارها في المحيط الكويتي فقط، فإن التطاول على أم المؤمنين لم نجد له أي نوع من الانتصار في المحافل والمؤسسات الدينية العالمية والعربية ولم تتطرق إليه جامعة الأزهر ولا مجمع العلماء في السعودية ولم يستنكره كبار العلماء والمشايخ في العالم الإسلامي ولم تتناقل الفضائيات العديدة ذات الصبغة الدينية هذا الموضوع على الإطلاق، وهذا بحد ذاته دليل واضح على عدم وجود قيمة تذكر لشخص مثير هذه الفتنة أو مستواه العلمي أو مكانته الدينية أو حتى تأثيره الإعلامي.
وما نستغربه بالفعل، وهو بيت الداء، الصمت العجيب لكبار الشخصيات والمشايخ الكويتيين في الدعوة إلى التهدئة والتعقل وعدم تأجيج الشارع العام لغايات أسمى، رغم نشاط الكثير منهم إعلامياً وانفتاحهم الكبير على القيادة السياسية وأولي الأمر، وتدخلهم المباشر في مواضيع عديدة، خصوصاً عندما تكون متعلقة بجمع التبرعات وأعمال الخير!
فهؤلاء المشايخ من السنّة والشيعة لهم دالة و'مونه' كبيرة على عوام الناس وحتى نوابهم، وكلمتهم مسموعة ومكانتهم مقدرة ورأيهم الشرعي يحترم ومسؤولياتهم تتعاظم عند وقوع الفتن، فما السر في استمرار صمتهم؟ هل هو من أجل تكويت الطائفية؟!