فهد المضحكي

كثيراً ما كتب عن الارهاب وتداعياته وكثيراً ما تباينت استنتاجات البحوث والدراسات والمواقف من الحركات الاصولية الاسلامية المتطرفة، ومن الواضح ان الباحث علي حرب في تركيزه على اهمية الربط بين الارهاب وثقافته كان منطقياً في دراسته عن الاصولية والحركات الارهابية وعن الجذور الثقافية لهذه الحركات.
يقول حرب: ليس الارهاب مجرد احتجاج على الظلم والفقر قد تكون له اسبابه في تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية ولكنه في الحالة الجهادية الاسلامية خاصة لدى زعمائها وامرائها الذين يستغلون البائسين والمهووسين في مشاريعهم المجنونة هو ذو جذر عقائدي ثقافي بقدر ما هو حرب متعددة الجهات ضد المواطن والدولة كما ضد المدنية والمجتمع. ولذا ليست المشكلة مع الارهاب محصورة بشرذمة من الناس منحرفين عن جادة الحق وانما نحن ازاء آفة او ظاهرة متفشية هي نتيجة البيئة الثقافية الرائجة بمرجعياتها ورموزها وتعاليمها او بخطاباتها واحكامها وفتواها. صحيح ان الارهاب كعمل عسكري يخطط له في السر وتحت الارض ولكنه يشكل الآخر لثقافة تُسهم في انتاجية سمتها انها متحجرة، احادية، عدوانية استبدادية كما تجرى ممارساتها تحت سمعنا وبصرنا كما تعمم نماذجها في الجوامع والمدارس او عبر الشاشات والقنوات.
ويرى حرب ان هذه الثقافة العدوانية ذات اركان خمسة من حيث المبدأ والشعار او المنطق والنهج والاسلوب والاداء والركن الاول من هذه الاركان هو المعتقد الاصطفائي الذي بموجبه يتصور اصحابه واتباعه انهم خلفاء الله وسادة الخلق وخير الامم او انهم مُلاك الحقيقة وحراس الايمان والسائرون على النهج القويم وحدهم دون سواهم.
والركن الثاني هو الخط الاصولي بما يعنيه من وهم التطابق المستحيل مع الاصول بما يعنيه الادعاء بان الشرائع القديمة تنطوي على اجوبة وحلول للاسئلة والمشكلات الراهنة. واما الركن الثالث فهو شعار الحاكمية الإلهية الذي يطرح لاحتكار المشروعية وممارسة الوصاية على الناس والنطق باسمهم زوراً والرابع هو استراتيجية الرفض والاقصاء وعدم الاعتراف بالآخر بوصفه مبتدعاً ضالاً او كافراً مرتداً والخامس هو استخدام اصحاب العنف والارهاب قتلاً وتصفية او استشهاداً او انتحاراً مدفوعين بعقلية التأثر من كل لا يفكر على شاكلتهم وذلك تحت دعوى مشبوهة ومزيفة هي انقاذ الامة الاسلامية والبشرية جمعاء.
وهنا تكمن المشكلة اي في ثقافة الارهاب التي يُبشر لها ويُدافع عنها وتحظى بتمويلات مالية ضخمة، والمشكلة الاخرى ان هذه الثقافة ليست سوى ثقافة مدمرة وبالتالي تتحول الى تجربة معتمة، واسلمة الحياة والمجتمع والثقافة ترتد وبالاً على الاسلام واهله وثقافته والحقوق التي ندافع عنها لا نحسن سوى هدرها والجهاد الذي نعلنه لا يخدم سوى الغير حليفاً ام عدواً والامة التي تدعى بانها خير امة باتت في نهاية الركب، او هي تحضر في العالم بهذه الصورة السلبية العدمية المدمرة وكأننا اختصاصيون في صناعة الكوارث وفي تخريب العمران والحضارة ولن يتغير الحال الا اذا تغيرت نظرتنا الى انفسنا وطريقة تعاملنا مع الآخر والعالم بحيث نستعيد مكانتنا ونمارس حضورنا بالتفكير الحي والعمل النافع بما ننتجه ونتقنه ونحققه من الانجازات والابتكارات التي تفتح آzwj;فاقاً امام العمل الحضاري. وبالتالي فالتراث الاسلامي هو فضاء دلالي واسع فمقابل خطاب التبديع والتكفير والتأثيم والترهيب والتطرف ونبذ الآخر وهناك خطاب آخر مفرداته هي: الاختلاف والتعارف والوسطية والسوية والتداولية والعالمية وهذا ما نحتاج اليه الآن بحيث يتحمل البشر المسؤولية المتبادلة بعد ان تداخلت المصالح والمصائر واخذ يتشكل مجتمع عالمي تتسع معه مساحة الخيرات والمنافع والموارد العامة والمشكلات المشتركة بين البشر.
خلاصة القول: يؤكد حرب في هذه الدراسة المتقنة حول الارهاب وتداعياته على ان معالجة الارهاب تحتاج الى اجراءات امنية بقدر ما تحتاج الى تحولات في بنية الثقافة بثوابتها ونماذجها او برامجها وتعاليمها وبالطبع لن يتم ذلك بالعنف بل بفتح المناقشات العمومية والانخراط في المداولات العلنية والعقلانية حول ما نتمسك به من الثوابت والاصول.
إلى الأعلى