إياد أبو شقرا

عقل المتعصب يشبه بؤبؤ العين.. كلما ازداد الضوء انكمش أكثر

أوليفر ويندل هولمز

يقال إن الرئيس العراقي السابق الراحل صدام حسين تلقى نصائح كثيرة بالانسحاب من الكويت قبل أن يحسم أمر تحرير الكويت بالقوة، منها نصيحة من رئيسة وزراء باكستان السابقة -الراحلة أيضا- بي نظير بوتو. غير أنه لم يقتنع.. فكان ما كان من أحداث وتداعيات هددت وتهدد وحدة العراق كما لم تتهدد من قبل.

واليوم، يسير السودان بخطى ثابتة نحو التقسيم، الذي، لا قدر الله، قد يكون المحطة الأولى على طريق التفتيت. والمشهد الذي تابعه العالم للمؤتمر الدولي حول السودان، في الأسبوع الماضي، واضح ولا يحتاج إلى تعليق، فالجنوب سائر نحو الانفصال ديمقراطيا ورسميا، ودارفور laquo;على الدرب سائرونraquo; قضائيا وواقعيا. وعلى الرغم من كل هذا الواقع البائس، ثمة في الخرطوم من لا يزال يتكلم عن وحدة السودان.

في لبنان أيضا، يشبه الوضع الراهن laquo;مأساة ndash; ملهاةraquo; فقد فيها الكلام معناه، فلا سيناريو ولا حوار.. لكن وسط laquo;تخمةraquo; في المخرجين الذين لا يجيدون الإخراج، والممثلين الفاشلين الذي يتقنون فقط التمثيل على أنفسهم.

خلال الأسبوع الماضي، ظهرت في برنامج حواري تلفزيوني ناقش موضوع علاقة laquo;حزب اللهraquo; بالدولة اللبنانية. وفيه أكرمني أحد زميلي الحوار، وهو مسؤول إعلامي في laquo;حزب اللهraquo;، بكلام طيّب عن خبرتي.. لكنه في المقابل اختار أن يقول إنني صاحب مواقف معروفة، قاصدا أنها سلبية، من laquo;المقاومةraquo; وlaquo;الحزبraquo;.

هنا، في تصوري، ارتكب الزميل الكريم خطأ فادحا يقع فيه كثيرون ممن لا يخالجهم شك في أن مواقفهم فوق مستوى النقد، وأن أي شخص لا يوافقهم laquo;على بياضraquo; يكون عدوا مبينا. لقد جاء في الحديث الشريف: laquo;ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهمraquo; (صدق رسول الله)، وقال الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجه): laquo;من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولهاraquo;. وفي الماضي قيلت الحكمة المأثورة: laquo;صديقك من صدقك لا من صدقكraquo;، كما قيل: laquo;اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيةraquo;. وخلاصة القول، هنا، أن الاستبداد بالرأي وتخوين كل مخالف هو مسلك بعيد عن الحكمة ووصفة سيئة للسلامة.

موضوع laquo;المقاومةraquo; ما كان من قبل قضية خلافية عند اللبنانيين. فعندما كان laquo;حزب اللهraquo; مكرسا جهده للمقاومة المنزهة عن الغرض ضد العدو الإسرائيلي، ما كنت، شخصيا، أعرف لبنانيا واحدا يتكلم عن laquo;الحزبraquo; بسوء، أو يجد مبررا لذلك، حتى لو كان ضد الفكر السياسي لـlaquo;الحزبraquo; من منطلقات علمانية أو فقهية أو دينية مخالفة.

لكن الوضع اختلف بعد التحرير عام 2000 عند كثيرين، ثم اختلف أكثر عند آخرين بعد 8 مارس (آذار) 2005؛ فالمسألة لم تعد أن يكون المرء مع laquo;المقاومةraquo; أو ضدها، بل أن يكون مع أو ضد واقع سياسي داخلي معين يمثله laquo;الحزبraquo; كقوة سياسية لها تحالفاتها، ولها خصوماتها.

حتى اللحظة، رغم كل التصعيد الكلامي والميداني لـlaquo;حزب اللهraquo;، أعتقد أن الأغلبية العظمى من اللبنانيين تعتبر إسرائيل عدوا له مصلحة في فتنة لبنانية داخلية لا تبقي ولا تذر. ورغم الإنذارات التي يوجهها laquo;الحزبraquo;، عبر قياداته ومسؤوليه الإعلاميين، على أبواب انتهاء المهلة التي أعلنها للتصدي للمحكمة الدولية وقرارها الظني المرتقب في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، لا تزال إسرائيل عبر عملائها في الداخل موضع شبهة؛ كونها صاحبة مصلحة في الفتنة.

ولكن لئن كان الاتهام السياسي قد وجه إلى سورية عند اغتيال الحريري، فلأن laquo;المحسوبينraquo; على دمشق، خلال الفترة السابقة ليوم الاغتيال 14 فبراير (شباط) 2005، laquo;أهدروا دمraquo; الرجل فعليا عبر كيل تهم الخيانة والتآمر له في حملة تحريض محمومة فظيعة.

واليوم، يستغرب المراقب العاقل كيف يرتكب laquo;حزب اللهraquo; خطأ مماثلا، بل ربما أسوأ، فيرفع السقف ويهدّد، وكأن القدرة على الحسم العسكري في الشارع كفيلة بإقناع العقول وطمأنة النفوس وغسل القلوب.

laquo;حفلة الجنونraquo; التي تحدث عنها قبل أيام أحد نواب laquo;الحزبraquo;، وlaquo;الذعرraquo; الذي يجب أن يشعر به كل من سيتعاطى مع قرار المحكمة، حسب نائب آخر، كلام خطير جدا.. بالنسبة للبنان في المدى المنظور، وأخطر بكثير على laquo;الحزبraquo; في المدى الأبعد.