خليل حسين

قبل عامين أطلقت ldquo;إسرائيلrdquo; ما أسمته عملية ldquo;الرصاص المسكوبrdquo; لتنفذ محرقة القرن العشرين بحق الفلسطينيين في غزة، واليوم تعيد حياكة الظروف والوقائع نفسها وكأنها تحاول استنساخ المبررات نفسها لترجمة ما تخفيه ظاهراً وما تضمره باطناً . عمليات عسكرية ذات طابع نوعي استفزازي، مترافقة مع تهديدات علنية بأبعاد متعددة، فما الذي تغيّر منذ سنتين؟وما هي المستجدات؟ وبالتالي هل تكوَّنت المبررات والأسباب للانطلاق في مغامرة جديدة خلال الفترة القادمة؟ ثمة العديد من المظاهر وإن تشابهت في الزمان والمكان، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن ldquo;إسرائيلrdquo; طليقة اليدين تماماً لتفعل ما فعلته في السابق للعديد من الاعتبارات والحسابات .

بعد سنتين، ثمة سابقة كرّستها مقاومة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة، وهي قدرتها على تبديد ما حاولت ldquo;إسرائيلrdquo; أن تسميه انتصاراً في عملية ldquo;الرصاص المسكوبrdquo; . فقد انتزعت حماس تقرير غولدستون الذي يشكل سابقة قانونية فلسطينية في مواجهة ldquo;إسرائيلrdquo; وبخاصة من مجلس حقوق الإنسان الذي بدا وكأنه تحدٍ لانطلاقته وفعالية عمله . علاوة على تشكيله فخاً يمكن البناء عليه للتشكيك بشرعية الكيان المغتصب لفلسطين . وفي موازاة ذلك أيضاً تمكّنت حكومة حماس ولو في وضعها الحالي من انتزاع الإقرار ldquo;الإسرائيليrdquo; بفشل عمليتها بأهدافها العسكرية والسياسية، بعدما ارتأت ldquo;إسرائيلrdquo; بأن ترقى بمجريات أحداثها كتعويض عن صفعتها غير المسبوقة في عدوانها ضد المقاومة اللبنانية في لبنان عام ،2006 ما يعني أن ldquo;إسرائيلrdquo; يلزمها الكثير لترميم صورتها المادية والمعنوية في الداخل ldquo;الإسرائيليrdquo; قبل قيامها بأي تحرك لاحق لمواجهة حماس وغيرها في قطاع غزة .

في السياق نفسه، ثمة تقدير ldquo;إسرائيليrdquo; متزايد بأن أي عملية ذات أهداف وازنة في قطاع غزة، لن يكون منفرداً في الوقت الراهن، باعتبار أن ظروفاً مستجدة يمكن أن تربط وضع غزة بغيرها من المواقع الأخرى وفي طليعتها الحدود اللبنانية، وبالتالي إمكانية اشتراك المقاومة اللبنانية في المعارك بخلاف الأمر قبل عامين .علاوة على ذلك فإن نوعية التسلح والتدريبات التي تقوم بها حماس في قطاع غزة ذات أبعاد نوعية لجهة السلاح الذي تمكّنت من امتلاكه مؤخراً وبخاصة صواريخ ldquo;كورنيتrdquo; وغيرها، وهذا ما اعترفت به ldquo;إسرائيلrdquo; وكأنه إقرار غير مباشر بنوع من توازن الرعب ولو في حدود ضيّقة لكنها فعالة بالنظر لطبيعة المعارك المرشح انطلاقها في حال أقدمت ldquo;إسرائيلrdquo; عليها .

في مقابل ذلك، ثمة وقائع من الصعب تجاهلها والتي يمكن أن تأخذ الأمور في اتجاهات مختلفة ومن بينها إقدام ldquo;إسرائيلrdquo; على تفجير الأوضاع في محاولة لكسر حالة ldquo;الستاتيكوrdquo; القائم والذي يبدو لغير مصلحتها، ومن بين تلك المؤشرات طبيعة السلوك السياسي للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; ورموزها بدءاً من رئيسها بنيامين نتنياهو، وانتهاء بأفيغدور ليبرمان اللذين يمثلان حالة الغرور والنزعة التفوقية في الذاكرة الجماعية ldquo;الإسرائيليةrdquo; . وفي أمر متصل أيضاً بالحالة الحكومية، قبل سنتين كان ايهود اولمرت يقود حكومة تبجحت بالبحث عن طرق السلام مع الفلسطينيين كما مع السوريين عبر تركيا، وفي نهاية المطاف نفذت محرقة غزة من دون وازع أو رادع من التجارب السابقة، فكيف بحكومة يقودها رموز التطرف اليميني الذي أدمن الهروب نحو الحروب والمجازر والمحارق .

وفي السياق نفسه أيضاً، ثمة متغيّرات مرتبطة بالوضع اللبناني وما يواجه به حزب الله في لبنان على قاعدة المحكمة الخاصة بلبنان، وما يعنيه هذا الاتهام من تزايد الضغط الخارجي والداخلي الذي يجعل التفكير بالانجرار إلى المواجهة مع ldquo;إسرائيلrdquo; من الخيارات القابلة للتنفيذ أكثر من غيرها للعديد من الاعتبارات الداخلية اللبنانية والخارجية الإقليمية والعربية، وبخاصة بعد التصريحات الأمريكية والبريطانية ldquo;والإسرائيليةrdquo; بأن المنطقة لن تكون هادئة في عام ،2011 ومنها من رجحت اشتعال حرب إقليمية لن تكون سوريا وإيران بعيدتين عنها .

في الثوابت ldquo;الإسرائيليةrdquo; غير القابلة للكسر، الهروب إلى الأمام بعد التسلح بظاهر السلام وإفشالها له، عماده صناعة دقيقة لظروف الحرب بصرف النظر عن نتائجها ومآلاتها وتداعياتها . قبل ديسمبر/ كانون الأول 2008 أجهضت ldquo;إسرائيلrdquo; مناخات السلام التي حاولت واشنطن إطلاقها في ظل وصول الديمقراطيين للسلطة . وقبل 2011 أنعشت ldquo;إسرائيلrdquo; ظروف الاستيطان وأعدمت محادثات السلام مع الفلسطينيين، فهل هيأت لما تضمره في عام 2011؟ إن الرجوع للسوابق ldquo;الإسرائيليةrdquo; لا يبقي أدنى شك بأنها أنهت حياكة الظروف، وبدأت بتطريز المواقف، ولم يبق سوى زخرفة التنفيذ .

في الحروب النظامية التي تقودها الدول، تذهب الجيوش وقادتها إلى ساحات الحرب وفي عقلها الباطني صور للنصر الذي ينتظرها، بينما الدروس المستفادة من تجارب المقاومة في صولاتها وجولاتها صور أخرى تقض مضاجع السياسيين والعسكريين في آن معاً . إن تجربتي ldquo;إسرائيلrdquo; في العام 2006 في لبنان و 2008 في غزة تؤكد هذه النظرية فهل يعلم العرب قبل ldquo;الإسرائيليينrdquo; ذلك؟ ثمة موعدان داهمان ذات صلة، مفاوضات الكعكة الصفراء في اسطنبول، وقرار المحكمة الخاصة في لبنان، فكيف ستقرؤهما ldquo;إسرائيلrdquo;؟ هل ستأخذ بالنصيحة الأمريكية التي أطلقها جيفري فيلتمان، بالانتظار ومشاهدة ما يجري، أم سيكون لها قراءتها المختلفة؟ لقد عوّدت ldquo;إسرائيلrdquo; أمريكا وغيرها بأن لها قراءتها وحساباتها الخاصتين بصرف النظر عن أي معطى آخر .