علي سعد الموسى


يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالله الفقيه، إن اليمن الشقيق يمشي اليوم على خطى السودان، وكأنه إنما يراد له إعادة تقسيم الخريطة إلى نصفين. حراك الجنوب يماثل جبهة تحرير الجنوب السوداني، والقصص المتماثلة الماثلة أمامنا من الخريطة العربية بأكملها تشير إلى مخطط انقسام من نوع غريب. العراق، وبأيدي أهله، يسير إلى أن يكون ثلاث دول دون أن تنسى أن إقليم كردستان نفسه يتحدث اليوم في أدبياته السياسية والثقافية تماما مثلما تتصرف دولة مستقلة لا يجرؤ زعيم السلطة الفلسطينية أن يتحدث اليوم عن غزة ناهيك عن الشجاعة بالوصول إلى هذا القطاع الذي أصبح حراكا مستقلا وجبهة منعزلة. جنوب لبنان لا يخضع في المطلق لسيادة الدولة، وكل ما هو جنوب ndash; القبعات الزرقاء ndash; يبدو مثل دولة مستقلة. وحتى في الكويت الشقيق، أكثر مناطق العرب رسوخا في العمل الديموقراطي فإن المشهد يبدو متشائماً ولك على أدنى الأحوال أن تقرأ مشهده العرقي من خلال قناتي ـ كاظمة ـ وـ السور ـ حيث الردح اللغوي المخيف، بكل ما يحملهما اسما القناتين من دلالات وجلة.
هذه المؤشرات يصعب رميها بالكامل على مؤامرات خارجية. هي براهين على أن هذا العالم العربي لم يعد في بواكير انقسام قوي فحسب، بل إرهاصات تشرذم قطرية. وقبل أن نعلق التهمة على أصابع الآخرين دعونا نحاكم أصابعنا على هذا الوضع المخيف. نحن نجني اليوم بكل تأكيد حصاد أدبيات ومناهج الزعامات السياسية. تهميش النظام البعثي البائد في العراق لبقية الأعراق والمذاهب هو ما يدفعها اليوم للانتقام من مرحلة بائدة. أدبيات جبهة الإنقاذ السودانية وعنفها المنهجي تجاه بقية الأعراق والمناطق هو ما يقود هذا البلد إلى استفتاء محسوم النتائج، وبالقياس يمكن لنا تفسير هذه الظاهرة. نحن بالضبط نعيش نهايات الدولة القطرية ناهيك عن أحلام الدولة القومية. ما تبقى من الدرس المخيف أن يعتبر البقية، وإلا فجلهم سائرون على الدرب لا أحد في جزيرة معزولة، وعلى الأقل فتاريخ المسار العربي يبرهن أن حبة المسبحة دائما ما تسحب وراءها الحبة التالية.