الساحة السعودية باتت في الآونة الأخيرة ولكل مراقب حلبة محتدمة الخلاف والتصادم تجاه العديد من التحولات والتغيرات الكثيرة المتعلقة بواقع وحقوق المرأة في المجتمع السعودي، والحديث عن تلك التحولات والتغيرات المتنوعة لم يعد كما كان من قبل شأناً يخص أو يهم فئة محدودة أو معينة. بل إن الحديث والتعاطي عنها والاهتمام بكل مستجداتها الإعلامية والثقافية باتت أمراً مقبولاً وواضحاً لدى الشريحة العظمى من أفراد المجتمع باختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم سواء بالقبول أو الرفض لها، وهذه ظاهرة صحية تدل تطور وتحسن تدريجي في الفهم المجتمعي للقضايا المتعلقة بالمرأة في الوقت الذي كان مجرد الحديث عن دور المرأة بما يخالف السائد التقليدي يشكل هاجساً مخيفاً، ولكن على رغم تلك القفزات والتحولات التي باتت واقعاً ملموساً وليست مجرد أوهام وتخيلات فالتيار الصحوي لا يزال حتى هذه اللحظة يتخذ ويكرر المواقف البالية نفسها منذ قرابة 30 عاماً حيال ذلك كله، وهذا الخطاب لا يمكن وصفه إلا بالممانعة والرفض جملة وتفصيلاً لكل شيء يتعلق ذكره بالمرأة طالما أنه لم يكن صادراً من المشكاة الصحوية! بل لم يعد من خيار أمام هذا التيار لإثبات وجود خطابه على الساحة واستعراض قدراته على الاستمرارية إلا من خلال التشبث بأي قضية متعلقة بالمرأة من هنا أو من هناك مهما كانت جزئية أو صغيرة وتحويلها بعد ذلك إلى معركة لإثبات الوجود. شهدت الساحة وعلى مدى السنوات الماضية إثارتهم واستنفارهم العديد من القضايا، ابتداءً بقضية قيادة المرأة السيارة ومروراً بدمج رئاسة تعليم البنات والسماح بإقامة المرأة من غير محرم في الفنادق وقرار تأنيث المحال النسائية وإصدار بطاقة المرأة وإنشاء الأندية النسائية الرياضية وإضافة مادة التربية البدنية في مدارس البنات ونحو ذلك. كل واحدة من تلك القضايا اعتبرها الصحويون من القضايا الكبرى المصيرية للمجتمع، ولقد اتضح ذلك الموقف جلياً من خلال استنفارهم بالرفض أو الاعتراض عليها عبر ألوان متعددة من الوسائل والطرق التي كان من أهمها إصدار البيانات التجريمية والفتاوى التحريضية وإلقاء المحاضرات وتوزيع النشرات والمطويات في المدارس والتجمعات النسائية. والمتأمل والمتابع لتلك البيانات والفتاوى التي أصدرها العديد من الدعاة والمشايخ laquo;الصحويينraquo; طوال السنوات الخمس الماضية عن قضايا المرأة يلحظ تراجعاً واضحاً وتبايناً وتغيراً في الكم والنوع والتأثير وذلك مع مرور الوقت، فعلى سبيل المثال شهد عام 1424هـ صدور أهم بيانين مطولين وأكثرهما شمولية حتى الآن عن حقوق المرأة المسلمة وواجباتها، وقع على أحدهما قرابة 200 عالم وداعية والآخر قرابة 130، وفي عام 1426هـ صدر البيان المتعلق بحكم قيادة المرأة للسيارة ووقع عليه قرابة 50 عالماً وداعية، وفي 1428هـ صدر بيان بشأن الأندية الرياضية النسائية وقع عليه 3 من العلماء، وفي 1429هـ صدر بيان متعلق بخطورة الاختلاط الذي وقع في حفل التخرج لجامعة الملك سعود للعلوم الصحية، ووقع عليه 16 عالماً وداعية وانتهاء ببعض البيانات والفتاوى الفردية التي بات يصدرها بعض المشايخ أو الدعاة من حين لآخر. وكانت السمة البارزة والغاية السامية في هذا الخطاب المتمثل في تلك البيانات وغيرها من المقالات والكتابات واللقاءات التلفزيونية الحرص الشديد على تغييب أي دور للمرأة في الشأن العام، والرغبة في عزلها ومنعها أيضاً من كثير من حقوقها انطلاقاً من جملة من الأصول والثوابت الصحوية! أما مايتعلق بالمرأة من حيث كونها إنساناً، فإن هذا الخطاب مارس معها صنوفاً وألواناً من التهميش لكرامتها الإنسانية، ولا أدل على ذلك من أننا لم نقرأ أو نسمع حتى الآن عن بيان أصدره الصحويون يختص باستنكار الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في مجتمعنا من حوادث العنف الجسدي وتزويج الصغيرات وتطليق النساء بحجة كفاءة النسب وعضلهن من كثير من الآباء، وغير ذلك من صور الظلم والاضطهاد للمرأة، ولذلك لم يفلح هذا الخطاب على مدى تلك الحقبة الزمنية الطويلة في تقديم أي مشروع حقيقي للنهوض بالمرأة حتى ولو كان وفقا لتصوراتهم ومنطلقاتهم، وإنما كان مشروعهم الأوحد هو تسخير مجهوداتهم كافة لإغلاق معظم النوافذ الحياتية للمرأة التي يمكنها المساهمة والمشاركة فيها بكل اقتدار ونجاح في المجتمع. وبدا واضحاً في السنوات الأخيرة لكل متابع أن التيار laquo;الصحويraquo; بدأ يفقد ركيزة ودعامة مهمة كان يتكئ عليها كثيراً في تمرير وتسويق مواقفه من قضايا المرأة لدى عامة أفراد المجتمع، وأعني بها دعم واستجابة رموز المؤسسة الدينية الرسمية لأطروحاته، لذلك فلا غرو أن نراهم يستشهدون الآن في قضايا عدة متعلقة بعمل المرأة والاختلاط بفتاوى وبيانات صدرت منذ عدة سنوات من بعض كبار العلماء، وذلك تحت ظل ظروف معينة، حتى آل بهم الأمر إلى انتزاع الفتوى انتزاعاً من بعض كبار العلماء، وذلك كما حصل في الفتوى المتعلقة بعمل الكاشيرات، وكذلك الموقف من منتدى خديجة بن خويلد، وهو ما يشعرهم تماماً أنهم باتوا بحاجة في ظل هذا التسارع في تغير وتطور وضع المرأة السعودية إلى استدعاء واستغلال واستخدام الإمكانات والأدوات كافة لإيقاف الطوفان التغريبي المزعوم، وقد بدا ذلك واضحاً في بيانهم الأخير المتعلق بمنتدى خديجة بنت خويلد؛ وذلك من خلال وصف على كل من خالف أجندتهم بالتغريب والفساد والرذيلة. وطالما أن الخطاب لدى بعضهم قد بلغ إلى هذا النحو من الإقصاء وإطلاق الأحكام الجزاف فهي إشارة واضحة على فقدان بوصلة التأثير والشعور بالتهميش.
- آخر تحديث :
التعليقات