تشهد الدول الأوروبية هذه الأيام مراجعات قانونية ودستورية كبيرة تتمثل في حظر ارتداء النقاب بالنسبة للمهاجرات المسلمات إلى القارة العجوز، ممن يقمن بأوروبا بصفة دائمة أو غير دائمة، حيث ترى أغلب الدول الأوروبية أن النقاب لا يمثل الإسلام، وإنما هو زي غريب يمتهن حرية المرأة، ويحولها إلى مجرد كائن يتشح بالسواد.
وهذه المراجعات الحادثة اليوم بمثابة صحوة أوروبية على أمر سكتت عنه كثيرا، بحجة حرية الإنسان مرة في ارتداء ما يراه، وحرية المرأة في اختيار الزي الذي يناسبها، وحرية المسلم في ممارسة شعائره، ومن هذا الباب العريض خرجت فتاوى كثيرة من المهاجرين المسلمين إلى ديار الغرب تتعارض مع القيم الأوروبية، وفلسفتها في ممارسة الحياة العصرية، ومنها فتاوى ارتداء هذا الزي اللا إنساني الغريب المسمى بquot; النقابquot;.
لقد أعلنت فرنسا مؤخرا حظر ارتداء النقاب بعد أن صوتت الجمعية الفرنسية لصالح قرار المنع بأغلبية 335 صوتا ضد صوت واحد، وفرنسا هي ثاني دولة بعد بلجيكا تحظر ارتداء النقاب رسميا، وسوف ينتقل الحظر إلى دول أوروبية أخرى مثل بريطانيا، وألمانيا، وإسبانيا، وهولندا وغيرها من الدول الأوربية.
والحق أن ظاهرة ارتداء النقاب في قلب أوروبا ظاهرة محيرة فعلا، فلا القرآن الكريم أمر بارتداء قطعة القماش السوداء المسماة بالنقاب، ولا الرسول الكريم نص في أحاديثه النبوية الصحيحة على أن تغطي المرأة رأسها ووجها، ولا تظهر سوى عينيها.
إن هذا المنظر غير الإنساني بالمرة يتنافى مع كل الشرائع الدينية وليس الشريعة الإسلامية وحدها، إنه منظر بائس يعبر عن اليأس من الحياة، واليأس من المجتمع، واليأس من الحضارة الإنسانية.
إنه منظر ضد العقل وضد الروح معا، لقد قال الرئيس الفرنسي ساركوزي عن النقاب إن فيه quot;تجريدا للمرأة من كرامتهاquot;. وخلال المناقشات التي سبقت قرار حظره في الجمعية الوطنية، وصفه النائب أندريه جيران، عن الحزب الشيوعي المعارض، بأنه quot;تابوت يمشي على قدمينquot;.
وقد أعلن رئيس الحكومة الدنماركية لارس راسموسن أيضا أن لا مكان للبرقع والنقاب في الدنمارك، وان الحكومة quot;تدرس حاليا سبل الحد من ارتداءquot; هذين الزيين الاسلاميين اللذين يغطيان كامل وجه وجسد المرأة.
وقال راسموسن في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا quot;إن موقف الحكومة واضح: لا مكان للبرقع والنقاب في المجتمع الدنماركي. انهما يجسدان مفهوما للمراة وللانسانية نحن على تعارض جذري معه، ونريد الوقوف بوجهه في المجتمع الدنماركيquot;.
فما حاجة المسلمين والمسلمات للبرقع والنقاب في أوروبا، بل في كل مكان على الأرض، وما علاقة النقاب بالإسلام؟
وهل هذا هو الإسلام الدين العالمي الذي نقدمه لأوروبا وللغرب؟ هل هذا هو النموذج الذي يمكن أن يحوي حياة الأوروبيين ويقدم لهم صورة المرأة الحرة المثقفة العالمة المتدينة الورعة، إنها صورة منفرة لنا نحن المسلمين، فما البال بشعوب خاصمت الكهنوت منذ القرن السابع عشر الميلادي، وعزلت الكنيسة عن أن تكون مصدرا للحياة والعلم والمعرفة، وقدمت حضارة من أزهى الحضارات الإنسانية..
هل ستترك المرأة الأوروبية حياتها اليومية العصرية المتحضرة لتختبىء تحت البرقع والنقاب؟ !!
نريد أن نقدم للغرب صورة أخرى جديدة، غير هذه الصورة النمطية المشوهة التي لا علاقة للإسلام بها، نريد أن نقدم له الإبداع الشرقي في الأدب والكتابة والثقافة والابتكار العلمي العقلي، وأن نسهم مع الغرب في ما يرتقي بالإنسان، ويضعه على مشارف حضارة متطورة، تحترم الإنسان، والعقل، وتمضي معه على طريق المعرفة والحرية.