مريسي الحارثي: هموم الثقافة لا يعرفها إلا أهل الثقافة، صالح الحسن: مجرد أوصياء، محمد المنصور: حرية وهمية
أميرة كشغري: خطوات جميلة على الورق.. صالح زياد: العلاقة بين السياسة والثقافة عضوية.. حليمة مظفر: قائمة الطاولات السياسية ممتلئة

عبدالله السمطي من الرياض

قمة عربية للثقافة؟ أم ثقافة للقمة العربية؟
هذا السؤال يراود المثقفين اليوم، على أصداء عقد المؤتمر التحضيري للقمة الثقافية العربية الذي يعقد في بيروت اليوم الثلاثاء ويختتم الأربعاء 14 يوليو، وتنظمه مؤسسة الفكر العربي بالتعاون مع جامعة الدول العربية؟ إنه سؤال قد يشق قمصان الثقافة من قبل أو من دبر، حيث سيراود السياسي المثقف، و ستغلق أبواب الجلسات فلا يدري المثقف عن أي شيء يتحدث المشاركون، وعن أي قضايا تدور رحى الكلام، حيث خصصت قمة العام 2011 لمناقشة أزمات الثقافة، ومشكلات المثقف العربي.
مثقفون سعوديون تحدثوا في هذا الاستطلاع لإيلاف عن حاجة الثقافة العربية لحرية الفكر، وطالبوا بوضع آليات وخطوات حقيقية ملموسة للنهوض بالشأن الثقافي، كما طالبوا بالاهتمام بالكتاب طباعة وتوزيعا، والاهتمام بالتعليم في العالم العربي، فيما رفض آخرون إثقال كاهل السياسيين بقضايا الثقافة، وضرورة أن تحل هذه القضايا من قبل المثقفين أنفسهم. وهذه هي آراء المشاركين والمشاركات:
د. محمد مريسي الحارثي استاذ الأدب في جامعة أم القرى في مكة المكرمة يقول: المؤتمر المتعلق بالثقافة لا تنبع أهميته من القمة السياسية، بل تنبع من القاعدة الثقافية، لأن هموم الثقافة ومسوغاتها ومعوقاتها لا يعرفها إلا أهل الثقافة، فإذا كان هناك من الخطط المستقبلية للثقافة العربية قد تجمعت من القاعدة الثقافية العريضة، ليستنير بها الساسة، فهذا أمر مرغوب فيه، وإما أن تسقط الثقافة من أعلى إلى أسفل فهذا لن يجدي شيئا، لأن الثقافة لا يمكن أن تطلق بقرار سياسي، لأن الخطاب السياسي لا يمكن أن ينفذ توصيات الثقافة، فالمثقفون هم المعنيون أولا وأخيرا.
ويرى الحارثي أن الخطاب الثقافي عليه ضغوط، تمارس من قبل خطابات أخرى غير الثقافة، فتؤثر في توجهاته، والبحث عن حرية المثقف ومصداقيته أمر أساسي، في مواجهة ضغوط من الخطاب السياسي، والديني، والإعلامي، فكل يريد أن يحصل على الكعكة التوجيهية للخطاب الثقافي.

من الذي يقود؟
الباحث صالح بن إبراهيم الحسن يعتقد أن السياسيين لم يستطيعوا حل مشاكلهم السياسية، فما البال بالمشاكل الثقافية؟ خاصة وأن القرار ليس بأيديهم، والشأن الثقافي بعيد كل البعد عن ساحة الزعامات العربية، فهم مجرد أوصياء.
ويضيف الحسن: عادة، الفكر هو الذي يقود لا السياسة، والسياسيون لا يستطيعون قيادة أنفسهم.
ويتفق الشاعر والكاتب المسرحي محمد المنصور مع ما ذكره الحسن، حيث يرى أن السياسيين لا يستطيعون حل المشاكل السياسية، فمشاكل الثقافة وقضاياها لا يستطيع حلها سوى المثقفين أنفسهم من خلال مؤتمرات الأدباء والمثقفين، إلا في اتخاذ قرارات محددة في موضوعات مصيرية.
وإذا كانت جامعة الدول العربية ndash; يضيف المنصور- لا تعطي حرية الكاتب أو الكاتبة، كما رأينا في مشكلة إيقاف الشاعرة ظبية خميس عن العمل في الجامعة لأنها كتبت مقالا ثقافيا، فكيف يمكن للجامعة أن تحل مشاكل الثقافة؟.. إن حرية الكاتب في العالم العربي حرية وهمية.


خطوات على الورق:

د. أميرة كشغري استاذة الأدب في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة تؤكد أن لدينا الآن خطوات إيجابية، منها: التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي، وتضمن أمورا وأهدافا واضحة قابلة للقيام.. لكن مع الأسف: هل التطوير أو الإصلاح يأتي من خلال شعارات، أو قمم؟ تضيء كشغري سؤالها أكثر: التطوير يكون فيه قيادة فاعلة، لديها القدرة على أن تقود التطوير، سواء في المجال الثقافي أو أي مجال آخر.
وتشير كشغري إلى أن هناك خطوات جميلة على الورق فقط، لكنها في الواقع لا تترجم، أو تجد لها صدى حتى لو كان بطيئا.
وتضيف: أتمنى أن تكون لدينا عدة آليات واضحة لتفعيل الشعارات أو قرارات القمم، وأن تكون قابلة للقيام وأن يتم تفعيلها، فتفعيل الثقافة وآليات العمل الثقافي غير موجودة، ومؤسسات المجتمع المدني مرفوضة داخل السعودية وغير مصرح لها.
فهناك مطالبات بإنشاء جمعيات ثقافية بصفة مدنية، لكنها مرفوضة، والثقافة لا تنمو في ظل القيود، والمجتمع المدني يظل يشكل الخطوة الرئيسة القادرة على دعم العمل الثقافي.
بالنسبة إلى القمة، نشعر أنه لا يوجد دعم مادي كبير للثقافة، والتغير والإصلاح يحتاج أيضا لأكثر من الدعم المادي، لابد من تغيير طريقة تفكير المجتمع وانطباعاته عن الثقافة والمثقف، وتغيير طريقة تفكير صناع القرار في الثقافة، نحن نريد أن ننتقل من مرحلة الوصف والتشخيص إلى مرحلة وضع خطوات وآليات حقيقية ملموسة للنهوض بالشأن الثقافي.

علاقة عضوية:
ويشير د. صالح زياد استاذ الأدب في جامعة الملك سعود في الرياض إلى أن العلاقة بين السياسة والثقافة عضوية، فعادة ما يكون الخطاب الثقافي محكوما بالخطاب السياسي، والثقافة كمعارضة نقدية، أو أيديولوجيا، مكرسة لمفاهيم السياسة، الثقافة فعل سياسي. وهذه العلاقة العضوية المتينة مهمة جدا.
ويوضح أكثر: نحن نتطلع إلى استجلاء دور سياسي في حل المعضلات الثقافية، وأن يكون الوجه الثقافي إيجابيا تجاه القضايا، ومنها: حركة الكتاب، وإنتاج المعلومة والمعرفة في العالم العربي، خاصة وأن هذا الإنتاج ضئيل ونخجل منه قياسا للإمكانات العربية على مستوى الطاقات والكفاءات والكوادر العربية، كذلك ينبغي الاهتمام بالكتاب طباعة وتوزيعا، وبالتعليم في العالم العربي، وحركة الترجمة وإنشاء مؤسسات تعنى بالترجمة، كذلك الاهتمام بمستوى حرية الرأي والفكر لأنه لا حركة للفكر من دون حرية.
أما الكاتبة والإعلامية حليمة مظفر فتعتقد أن عقد قمة للثقافة العربية يمثل خطوة مهمة جدا، وإن كان كثير من المثقفين قد يرون عكس ذلك، لكنها هي محاولة لقراءة القضايا الثقافية، لأن عندنا قضايا كثيرة موجودة على الطاولات السياسية، وننتظر نحن الشعوب العربية قيام السياسيين على حلها.
تضيف مظفر: أعتقد أن قائمة الطاولات السياسية ممتلئة بالقضايا الاجتماعية والفكرية التي تحتاج من السياسيين أن يحسموها، من أجل طمأنة الشعوب العربية، ولكن أن نضيف قائمة من القضايا الثقافية لمناقشتها فأخشى أن نثقل على كاهل السياسيين.
رغم ذلك فإن هذه القمة تشكل محاولة لوصول المثقفين بأفكارهم وأطروحاتهم إلى الطاولة السياسية، وإننا كمثقفين موجهون ومحركون رئيسون لمختلف القضايا السياسية أيضا في ظل العولمة، لأن المثقفين لا يتخلون عن القضايا السياسية.
أهم شيء يمكن طرحه في ظل ما تعانيه الشعوب العربية من ضيق أفق الفكر الديني أن تكون لدى المشاركين في القمة سعة ورحابة الصدر في إمداد الشعوب العربية بالفكر والثقافة، لأن مثل هذه الأمور تحتاج إلى قرارات سياسية، خاصة الحرية الفكرية التي هي من أهم الأسباب التي تدعم الثقافة والفكر في بلادنا العربية.