فهد ردة الحارثي كاتب ومخرج مسرحي

عبدالله السمطي من الرياض: تختتم مساء اليوم الاثنين جلسات الملتقى الأول للنص المسرحي الذي تنظمه جمعية المسرحيين السعوديين بالرياض، حيث تعقد جلستان نقديتان الأولى بعنوان:quot; نص مسرح الطفل: الواقع والمأمولquot; ويتحدث فيها فهد الحوشاني عن: مسرح الطفل الغائب الحاضر، كما يتحدث مشعل الرشيد عن الموضوع والنموذج في نص مسرح الطفل، ويحيى العلكمي عن مسرح الطفل والفعل التربوي، ويعقب على الجلسة عبدالعزيز عسيري، ويديرها مساعد الزهراني، والثانية: quot; إشكالات النص المسرحي في السعوديةquot; يتناول فيها محمد السحيمي: إشكالية تغييب العنصر النسائي في النص المسرحي السعودي، وحليمة مظفر: لحظة التآمر على النص المسرحي السعودي، ومحمد العباس: كتابة المكتوب: إحياء المؤلف أو إماتته، يعقب عليها: سماهر الضامن، ويديرها: رجا العتيبي.
وقال مدير الملتقى الكاتب نايف البقمي لإيلاف: إن الملتقى يهدف إلى قراءة التجربة النصية للمسرح السعودي من خلال مشاركة عدد من أصحاب التجارب المسرحية اللافتة، ومن خلال القراءة النقدية الفاحصة لهذه التجربة، وأضاف البقمي أن وكالة وزارة الثقافة والإعلام سوف تصدر مجموعتين مسرحيتين للكاتب فهد الحارثي، والكاتب عبدالعزيز الصقعبي، كما تقوم الكاتبة المسرحية ملحة عبدالله بتوقيع كتابها:quot; موسوعة حكمة النقد في الأنس والأدبquot;.
وكان الملتقى قد استهل جلساته الافتتاحية أمس الأحد 11 يوليو بجلسة حملت عنوان quot;النص المسرحي السعودي-استلهامات فكريةquot; أدارها هائل عقيل وبتعقيب الناقدة خديجة ناجع، شهدت الجلسة الأولى من ملتقى النص المسرحي مشاركة ثلاثة من أصحاب التجارب التأليفية المهمة في السعودية هم محمد العثيم وعبدالعزيز السماعيل وسامي الجمعان، بحضور عدد من الإعلاميين والنقاد المشاركين في الملتقى، حيث تضمنت الأوراق ثلاث قراءات مختلفة وأكثر من اشتغال وشهادة وتحليل ونقد ذاتي أحيانا، قدم كل محاضر منهم رؤية حول الكتابة المسرحية بوصفها طقسا وحالة يمكنها صنع سياقها واتجاهها الخاص، كما تناولوا حضور التراث والحكاية في مكوناتها الفنية.

عبدالعزيز الصقعبي
طقس إنساني:
تطرق محمد العثيم في ورقته المعنونة بـquot;نص عربي من طقس إنسانيquot; إلى تقرير وجوب مراجعة مفهوم النص المسرحي ومناقشة أخطائه بعيدا عن المعطى الثقافي العام معللا ذلك بقولهquot;بدأنا أغرابا في المسرح وانتهينا أغراباquot; وطارحا فكرة أن الجمهور استحق الريادة برفضه الخطأ في مسرح الثقافة واتجاهه نحو البديل، واعتبر العثيم أن صعوبة احتواء جو مسرحي كامل هي السبب في اقتصار المسرحيين على تلمس الاجتهادات في الوقت الذي انصرفت فيه العناصر المسرحية الجيدة نحو الترفيه بوصفه خيارا جماهيرياً مربحاً، بغض النظر عن مدى نوعيته وصحته quot;فالناس دائما على حقquot; بحسب العثيم الذي اعتبر ايضا أن السؤال quot;هل يوجد مسرح عربي؟quot; يعد ظالماً للمسرحيين من منطلقات ماهية وفكرة المسرح بوصفه العامل الإنساني المختلف عن كل فكرة تواصل اجتماعي آخر، معلقاquot;أزعم أنني أطرح المسرح العربي الذي أعتقد بوجوده طقسا إنسانيا في جينات الغريزة الاجتماعية، ولاشك أن هذا المسرح الغريزي موجود بشكل مختلف عن المسرح الأوربي، وأساس المشكلة أننا نثق في الغرب ونلبس النظارات الأجنبية لنرى حالنا، وعندما لانرى أنفسنا نبدأ بالادعاء بأننا نخترع مفرداتنا الثقافيةquot; مشيرا إلى أن المسرحيين العرب استوردوا تقنيات الترويج لثقافة المسرح من الغرب والشرق، ورغم ذلك بقي تأثيرهم محدودا على الفئة القليلة من الجمهور القابل للتنوع الثقافي.
العثيم تناول جوانب فنية مختلفة داخل تجربته الكتابية، منها المفردة المسرحية والموروث المنطوق والأغنية بوصفها حالة مقتطعة من انفعال مسرحي، وهو مايرى فيه المحاضر تأكيدا لأبوة المسرح للفنون بالقِدم وليس بالكمال والجمع فقط، قبل أن ينتقل للحديث عن الرواد الذي فهموا ماهية المسرح-كما يرى-لكن مشكلتهم كانت إنسانية جاءت من الظاهرة الصوتية التي انشغل بها من جاؤوا بعدهم، وبالعودة إلى سؤاله حول وجود المسرح العربي يختم العثيم برؤيةquot;إذ كنا لانزمع نقل الموروث بعلاته ووجوده العام فلابد من البحث فيما خلف سطور الشذرات المتبقية كما نبحث في بقية إناء فخاري عن شكله، وهو ماحاولته في أعماله الغنائيةquot;.
الكاتبة حليمة مظفر

استلهام التراث:
وقدم الكاتب المسرحي عبدالعزيز السماعيل ورقة عنوانهاquot;استلهام التراث الشعبي في المسرحquot; تحدث فيها عن علاقته إنسانا بمشاهد التراث الذي أصبح مكونا ثقافيا تشكل في وعيه ووجدانه وذاكرته قبل أن يحضر في نصه المسرحي، وبعد استعراضه لملامح من نشأته في بيئة شعبية فلاحية وممارسته لمهن البيع والشراء والعناية بالنخل أشار إلى عدد من الأعمال التي اكتشف فيها حضور ثيمة التراث ومنها quot;موت المغني فرجquot;وquot;الصرامquot; معلقا بعد ذلك quot;كان لابد لي من تتبعها نقديا وفنيا لإدراك المعنى الحقيقي لها وقيمتها وبالتالي التعامل معها كخاصية مميزة في كتابة النص المسرحي والدرامي مستقبلاquot;..السماعيل الذي عبر عن فخره بهذا المكون في كتابته لم يخف قلقه الخاص من العلاقة النصية مع التراث والتي قد تتحول إلى حالة حنين عاطفي يؤثر على النزعة العامة للنص مستعرضا بعض الأساليب الفنية التي استخدمها في بعض شخصياته لتلافي هذا الإشكال..الذي يصفه لاحقا بالنتائج الساكنة والعكسية المسطحة لعملية الاندفاع الانتمائي المجرد نحو التراث،موضحاquot;إذا كان التراث مقصودا في ذاته لتحقيق هوية المسرح الذي ننتمي إليه فسيلزمنا ذلك بالضرورة إيجاد وعي أكثر أهمية وحساسية بالتراث نفسه حتى نستطيع أن نستخلص من خصوصيتنا مايميز الفن الذي نقدمهquot;
السماعيل أكد أن المعاصرة لاتعني القطيعة مع الماضي وطالب بالبحث عن تعريف محدد للتراث الذي لا يمثل مشكلة في معناه بقدر ما يحتاج إلى مفهوم يدرك الأبعاد الحقيقية للتعامل معه ضمن رؤية عصرية تتكئ على المعرفة والوضوح وتدرك المعطيات التراثية بشتى أشكالها وهذا أمر يمكن تطبيقه على المسرح وغيره ndash;بحسب السماعيل- ليخلص إلى أن المبدع المسرحي يلجأ إلى التراث ليس حنينا إلى الماضي بسبب فشله في الحاضر بل لتوظيفه رمزيا وإيحائيا بهدف خدمة المستقبل، معقباًquot;والوعي النقدي بالتراث هو السبيل إلى ذلكquot; وبعد أن استعرض عددا من التجارب العربية والأبحاث المقدمة في هذا المجال، ختم السماعيل متسائلا quot;هل نجحت تلك التجارب في التعامل مع التراث الشعبي والعربي بشكل صحيح حتى الآن؟quot;

محمد العثيم كاتب مسرحي
وعي الحكاية:
في الورقة الثالثة قدم الناقد والمسرحي سامي الجمعان ملامح من تجربته الخاصة ضمن عنوانquot;الوعي بتوظيف الحكاية في المسرح السعوديquot;..حيث انطلق لوصف مراحل البداية الكتابية التي استهلها في العام 1398 هـ بنص الفقير، ومن ثمquot;العودةquot; في 1401هـ التي تجسدت على الخشبة وبشكل جعله يستشعر أن النص المسرحي يتطلب إعدادا كبيرا على مستوى الثقافة والوعي والإدراك، لتبدأ مرحلة البحث الجاد وترتيب الاوراق وهي المرحلة التي عززها تخصصه الدراسي الدقيق في النص الأدبي، وفي هذه المرحلة بالذات يقول الجمعان أنه اكتشف المفاجأة التي لم تكن سوىquot;الحكايةquot; ودهشة quot;القصquot; كما يصفها، والمبنية على مرجعيات عديدة في الثقافة العربية كألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والبخلاء، فضلا عن حكايات والدته وغيرها من المكونات التي شكلت وعياً ثقافيا لعب دورا كبير في عملية كتابة النص المسرحي، حيث يؤكد الجمعان أن الحكاية أخذته نحو عوالم التناصات والاقتباسات وتداخل الأجناس الأدبية وتعالقها، وأفهمته أن النص الأدبي مدى لاسياج له، وأن جماليات النص المسرحي تكمن في قدرته على قبول شتى الأجناس الإبداعية، دون ان يخفي أن هذا المنطلق كان حاضرا في عدة أعمال له، واصفا ذلك بالسر الذي يبوح به للمرة الأولى، مضيفا إليه سرا آخر هو أنه يفهم الكتابة وفق مفهوم ميشيل فوكو الذي يعتبرها لعبة بداية ووسط ونهاية، أو باعتبارها لعبة فنية مشحونة بالتغيير والتبديل كما يراها ميخائيل نيتيسكي، وبعد استعراض فني لتوظيف الحكاية ومدلولاتها عبر مستويات متعددة ضمن نموذجين من نصوصه هما quot;المقبرةquot;وquot;القبوquot; يعقب الجمعان بقوله quot;الوفاء للحكاية في نصي المسرحي جزء من بنيته الأساسية، وإن كانت في جانبها التوظيفي مغامرة يحفها الخطر إذا لم يتمكن الكاتب المسرحي من تخليصها من سلطة السرد وقوة حضوره، ولم يتمكن من بث الروح الدرامية وبعثها في السرد وتحريك الساكن في النص الحكائي الأصلي ودمجه في اشتراطات المنظورquot; قبل أن يختم بأن المسألة في نظره لم تكن نزوة كتابية أو تقليدا بل حالة توحد مع الحكاية وإعجاب بطاقاتها السحرية على الإنسان والنص والحياة عامة.

ملحة عبدالله كاتبة مسرحية سعودية
لحظة الإبداع:
بعد ذلك قدمت الناقد خديجة ناجع رؤية نقدية شاملة للأوراق الثلاث تقاطعت فيها مع بعض أفكارها وعلقت على طروحاتها، قبل أن يبدأ مجال المداخلات حيث تناول الناقد والكاتب محمد السحيمي نظرية العثيم حول البحث عن الطقس باعتباره أساسا للاستلهام والاستحضار، وقال السحيمي أنها نظرية غير مسبوقة، بينما قدمت الدكتورة ملحة عبدالله شرحا موجزا من واقع خبرتها حول بعض المفاهيم فقالت أن الموروث الشعبي هو ماينقل بالمشافهة عن طريق الحكاية أو السير أو الراوي، بينما الإرث هو مايُمتلك، والتراث هو مايدون في الكتب ويُدرس، كما عرفت الفن بأنه التقاط لحظة بطريقة تشبه الصورة الفوتوغرافية قبل أن تمتد هذه اللحظة خلال أزمنة منها القراءة والعرض المسرحي وحدود الزمن داخل الحدث نفسه. تحدث الناقد الأدبي المعروف محمد العباس عن الثيمات التي استخدمها سامي الجمعان رابطاً إياها بمفاهيم فلسفية لعدة نقاد طرحوا فكرة موت الحكاية، وفي حين اتجهت منيرة المشخص إلى أن المسرح السعودي لم يستفد من التراث العربي أو العالمي وأن الأعمال المحلية بقيت تقدم مركب النقص والتسطيح للمشاهدين وهو مايمكن لمسه في نماذج الكوميديا التلفزيونية، طالبت الكاتبة والناقدة حليمة مظفر بالعمل على فلسفة وتفسير التراث وخلق اللحظة الإبداعية داخله، بدلا من إعادة إنتاج الحكايات في النص المسرحي دون تغيير.

رجا العتيبي