تتنوع جوائز الدولة السنوية التي يعلن عنها المجلس الأعلى للثقافة في مصر ما بين تقديرية، وتشجيعية، وجائزة وسطى أو في منزلة بين المنزلتين تسمى بquot; التفوقquot; ثم جائزة مبارك وهي أعلى جائزة ثقافية في مصر.
وتمنح هذه الجوائز في الآداب، والفنون، والعلوم الاجتماعية، وقد فاز بها منذ انطلاق جوائز الدولة في العام 1958 عشرات المبدعين والمبدعات في المجالات السابقة، من أبرزهم: طه حسين، عباس العقاد، توفيق الحكيم، الزيات، عزيز أباظة، نجيب محفوظ، يوسف السباعي، عبدالرحمن الشرقاوي، ثم تعددت أسماء الفائزين واصبحت تمنح مناصفة أحيانا منذ العام 1980 حين تغير مسمى: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب إلى المسمى الحالي: المجلس الأعلى للثقافة.
لكن في السنوات الأخيرة لم تعد هذه الجوائز تمنح للإبداع وحده، أو للإنجاز المعرفي الذي يقوم به المثقف في مجاله فقط، لكن تسربت إليها العواطف النبيلة، وتسربت إليها الأمزجة، والقلوب، والمشاعر، والأهواء.، والحسابات والعلاقات.
فالمثقفون الخمسون ndash; أعضاء المجلس الأعلى للثقافة - الذين يقومون بتحكيم الأعمال المقدمة أو المرشحة من الجامعات والمنابر الثقافية قد يتكتلون أحيانا لترشيح شخصية متفق عليها في كواليس اللقاءات والاجتماعات، ومن المثير أن هذه الشخصية أو تلك تكون معروفة للجميع قبل إعلان أسماء الفائزين بالجوائز.
وفي الجوائز التي أعلنت الاثنين 21 يونيو 2010 منحت الجوائز لشخصيتين من المبدعين هما: الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، والشاعر فاروق عبدالقادر، ولاعتبارات إنسانية في المحل الأول قبل أن تكون فنية أو إبداعية.
فالشاعر الأبنودي ndash; شفاه الله وعافاه- يمر منذ سنوات بحالة مرضية استوجبت سفره إلى فرنسا للعلاج على نفقة الدولة، والناقد فاروق عبدالقادر ndash; شفاه الله- يرقد منذ أشهر بالمستشفى في غيبوبة مستمرة ناجمة عن إصابته بجلطة
فلماذا يمنح الشاعر والناقد الجائزة الآن؟ هل الجائزة تمنح للمثقف في قمة الإبداع أم في ذروة المرض؟ وهل ثمة من أثر لهذه الحالة المرضية في ترجيح كفة هذا المبدع أو ذاك للفوز بالجائزة؟ وأين كانت الجائزة حين كان المبدع يتمتع بالصحة والعافية؟ هل زاد إبداعه عندما ازدادت وطأة مرضه؟
إن الجوائز هنا تفقد مصداقيتها، وتتحول إلى جوائز للحالات الإنسانية، خاصة أن المجلس الأعلى كرر هذا الصنيع في تجارب سابقة، فأعطى الجائزة التقديرية ليوسف إدريس في العام 1991 وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى، ومنحها لرجاء النقاش بعد رحيله بأيام، وفعل ذلك مع كل من: يوسف أبو رية، محمد مستجاب، سمير سرحان، غالي شكري، وغيرهم.
ومن عجب أن كل من حصلوا على الجائزة وقت مرضهم، أو وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة في الحياة الدنيا، كتبوا أبرز إبداعاتهم وهم في تمام الصحة والعافية، فلماذا ينتظر المجلس الأعلى للثقافة في مصر حتى تزهق روح الأديب، ولماذا بدلا من أن ترسل له قيمة الجائزة مكللة بالورد إلى بيته ترسلها له إلى غرفته بالمستشفى؟ وما قيمة الجائزة إذا لم يتمتع بها الأديب في حياته؟
ثم سؤال أخير: هل جوائز الدولة مكتوب عليها لافتة: للمسنين فقط؟