* عبدالحليم رضوي وعبدالعزيز الحماد ومحمد السليم وصفية بن زقر أبرز رواد الفن السعودي
* المكتبة السعودية التشكيلية تخلو من الدراسات الفنية العميقة وتكتفي بالتجميع والتوثيق
* لماذا لم يبرز الكاتب دور الفنانين العرب في الحركة التشكيلية السعودية؟؟

من اعمال عبدالحليم رضوي

عبدالله السمطي من الرياض: الكتابة عن تاريخ الفن التشكيلي السعودي، هي الكتابة المحببة لدى دارسي هذا الفن ومتابعيه، فهي كتابة يغلب عليها الطابع التجميعي التوثيقي لا الطابع الإبداعي النقدي القارىء، فلم تنطو المكتبة الفنية التشكيلية السعودية القارئة لتجربة هذا الفن حتى اليوم على أي كتاب نقدي نوعي، يعالج التجارب التشكيلية، وينعم النظر في توجهاتها الفنية وأساليبها، ونسيجها، وتطلعاتها، وأصواتها البارزة. ومن هنا فإن تقييم تجربة هذا الفن لم تزل حاجة ملحة وضرورية لابتكار قيمه، وتجلياته الجمالية.
إن أسعد ما يقوم به دارسو هذا الفن هو التجميع والتوثيق، مع ذلك فهذا عمل يؤذن بحضور مختلف الأسماء والاتجاهات، بحيث يمكن للدارس النقدي أن يقف على خلفية وامضة لتجربة فنية تجاوزت الخمسين عاما بقليل. ومن هنا فإن صدور كتاب الفنان التشكيلي الناقد الدكتور محمد الرصيص المعنون ب:quot; تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعوديةquot; ( وزارة الثقافة والإعلام ndash; الرياض، الطبعة الأولى 2010 (290) صفحة من القطع الكبير) يندرج في سجل هذا النمط من الكتب التجميعية التوثيقية، التي تقف بنا على الحافة التاريخية للتجربة الفنية، ولا تتعمق بنا في أطيافها وألوانها، مع ذلك فإن الصورة التي يجليها الكتاب قد تشكل نقطة انطلاق لممارسة الوعي بهذا الفن.

تجارب ومراحل:
يتضمن الكتاب ثمانية أبواب، يجول بها المؤلف تاريخيا في تجربة الفن التشكيلي السعودي حيث يرصد بدايات هذا الفن، وتحولاته من خلال أربع مراحل يسميها بمراحل النمو والتطور تبدأ من العام 1953م وحتى اليوم.

من اعمال صفية بن زقر
في المرحلة الأولى (1953-1970) يشير إلى إقامة وزارة المعارف السعودية أول معرض للنشاطات المدرسية في العام 1953 حيث تم تحويل مديرية المعارف إلى وزارة المعارف، وكان أول وزير لها هو الملك فهد بن عبدالعزيز (1923-2005) حيث نظم في نهاية العام الدراسي أول معرض للنشاطات المدرسية المختلفة في تاريخ التعليم الحكومي المبكر بمقر المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، وشارك في هذا المعرض الفنان الرائد عبدالحليم رضوي الذي لم يتجاوز وقتها الخامسة عشرة من عمره، حيث شارك بخمسة عشر عملا منفذة على الورق بالألوان المائية والشمعية الزيتية، وكذلك شارك الشاب عبدالرشيد سلطان بعدد من أعماله الفنية المبكرة.
وفي العام 1958 وبعد إقامة عدد من الدورات التدريبية الفنية، واعتماد مادة الرسم والأشغال بالمدارس التابعة لوزارة المعارف، افتتح الملك سعود أول معرض فني مدرسي على مستوى السعودية، وفي العام 1959 أقيم بمدينة الرياض أول معرض مدرسي للمرحلة الثانوية وفازت لوحةquot; قريةquot; لعبدالحليم رضوي.
وأصبحت ظاهرة المعارض المدرسية مألوفة لدى الوسط التعليمي مذن ذلك الحين.
وبدءا من العام 1960 بدأت البعثات الدراسية إلى القاهرة وروما لدراسة الفنون الجميلة، ثم أنشىء معهد التربية الفنية في العام 1965 لتخريج مدرسين سعوديين للتربية الفنية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وبالرغم من أن الهدف الأساسي من إنشاء المعهد كان هدفا تعليميا وتربويا، إلا أن تأثيره الفني يمكن وصفه بأنه حجر الزاوية أو الأساس في تكوين الخلفية الفنية الأولى لعدد كبير من فناني السعودية من الجيل الثاني.
علا حجازي تشكيلية سعودية
وفي 6 مارس 1965 أقام عبدالحليم رضوي أول معرض شخصي له على مستوى السعودية بنادي البحر الأحمر بمدينة جدة حيث عرض فيه 22 لوحة من أعمال التصوير التشكيلي في أسلوب فني يجمع بين التعبيرية والتأثيرية، ثم توالت إقامة المعارض التشكيلي بعد هذا التاريخ لرضوي وعبدالعزيز الحماد الذي أحرق لوحات معرضه الأول وكان يضم ثلاثين لوحة، لعدم وجود زوار، ثم أقام بعد ذلك معرضين شخصيين في عامي 1966- 1967، وتبعه محمد السليم بمعرضه الشخصي الأول في 16 أغسطس 1967 بمقر نادي النصر بالرياض وضم المعرض 35 لوحة منفذة بألوان الزيت على القماش، وبأسلوب يجمع بين التأثيرية والواقعية، وعبرت الأعمال عن مواضيع شعبية وبيئية محلية.
واقامت كل من صفية بن زقر ومنيرة موصلي في الأول من أبريل 1968 معرضا ثنائيا، وهو أول معرض نسوي بالسعودية، عرضت فيه صفية (33) عملا فيما عرضت منيرة (35) عملا. ثم توالت المعارض الفنية الشخصية والجماعية للفنانين السعوديين الرواد مثل: عبدالحليم رضوي، ضياء عزيز ضياء، ومحمد السليم، وعبدالعزيز الحماد، وطه صبان، وعبدالعزيز المشاري، ومنصور كردي، وسعد العبيد، وصفية بن زقر، ومنيرة موصلي، وعبدالجبار اليحيا، وأحمد فلمبان، وحسن مليح، وعبدالكريم أبو خضير، ومحمد الرصيص (مؤلف الكتاب) ومحمد المنيف، وعبدالله حماس، وأحمد الزهراني، وفيصل السمرة خلال الفترة ما بين (1968-1974). وفي المرحلة الثانية (1971-1980) ازدادت كثافة الأعمال التشكيلية، وحفلت الساحة التشكيلية بأسماء فنية جديدة، حيث استمرت البعثات الخارجية إلى الولايات المتحدة، وإيطاليا، ومصر، وبدء تجميل المدنخاصة مدينة جدة على يد رئيس بلدية جدة الدكتور المهندس محمد سعيد فارسي، الذي قام بتجميل الشوارع الرئيسية والميادين العام بجدة بأعمال فنية ومجسمات قام بها فنانون سعوديون وعرب وأجانب منهم: ضياء عزي
محمد الرصيص
ز ضياء، وهشام بنجابي، وعبدالحليم رضوي، وجوليو لافونتي ( إسبانيا) (53) عملا، ومصطفى سنبل (مصر) (29) عملا، وصلاح عبدالكريم (مصر) (17) عملا، وكل من: هولمان، وفيكتور فازاريللي، وجيوفاني، وسيزار، وهنري مور، وأمروس نالسيا ( من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وانجلترا، وأندونيسيا) (47) عملا.
وقد تم تأسيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون في العام 1973 حيث قدمت إسهامات نوعية كبيرة في تطوير الفن التشكيلي وإقامة المعارض ورعاية الفنانين التشكيليين.
وفي المرحلة الثالثة (1981-2002) وهي مرحلة الانطلاق والانتشار للفن التشكيلي داخليا والتعريف به خارجيا، ndash; بحسب الكاتب- حيث افتتحت أقسام التربية الفنية بالجامعات السعودية، وشهدت هذه المرحلة تجميل المباني والمؤسسات الحكومية بأعمال فنية، وإقامة صالات عرض فنية حكومية، ومساهمة مؤسسات أخرى في تشجيع الفن التشكيلي مثل: الحرس الوطني من خلال مهرجان الجنادرية حيث يقام معرض سنوي للفن التشكيلي بمشاركة واسعة من قبل الفنانين والفنانات، حيث بلغ عدد المشاركين في معرض العام 1999 (208) فنانا وفنانة.
ومن أبرز من فازوا بجوائز هذا المعرض: طه صبان، وعبدالله الشيخ، وهلا بنت خالد، وحمدان المحارب، وبدرية الناصر، وعبدالله نواوي، وأضواء بنت يزيد، وزمان جاسم، وسامي الحسن، وعبدالعزيز العواجي، ومحمد العمير. كما أقامت الخطوط الجوية العربية السعودية مسابقة(ملون) حيث أقيمت الدورة الأولى للمسابقة في العام 1992 وتوقفت بعد الدورة السادسة في العام 2003 لكنها أسهمت في تشجيع الفن التشكيلي السعودي حيث تقتني الخطوط (250) عملا تشكيليا، استخدمت بعضها في تجميل مكاتبها في الداخل والخارج، كما قامت بعض الجمعيات الخيرية بإقامة معارض تشكيلية ومنها جمعية النهضة النسائية الخيرية بالرياض، كما أقام الشاعر والفنان التشكيلي الأمير خالد الفيصل (أمير منطقة عسير السابق- أمير منطقة مكة المكرمة الآن) قريةquot; المفتاحةquot; بأبها جنوب السعودي، وتضم (11) مرسما، وصالة متخصصة لعرض الأعمال الفنية، ومسرح مفتوح يتسع لألف شخص، وقاعة للمؤتمرات وقصر أثري قديم. كما اقيمت عدد من المراكز الثقافية والمتاحف الفنية الخاصة ومنها: متحف عبدالرؤوف حسن خليل للتراث الإنساني بجدة، ومركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، وبيت الفنانين التشكيليين بجدة، ودارة صفية بن زقر بجدة، ومتحف عبدالحليم رضوي للفنون الجميلة بجدة، ودار الفنون السعودية بالرياض وغيرها.
أما المرحلة الرابع
من اعمال زمان جاسم
ة التي تبدأ من العام 2003 حتى اليوم فقد شهدت رعاية الحركة التشكيلية السعودية والعمل على ازدهارها، وتنمية الإبداع والتذوق الفني، وتأسيس عدد من الجمعيات الفنية التشكيلية، وزيادة المعارض التشكيلية الشخصية والجماعية.

مصادر الإلهام
شكل التراث المحلي السعودي مصدرا مهما للفنانين والفنانات، فحفلت اللوحات التشكيلية بمشاهد من الحياة اليومية في المدن والقرى والأرياف والبوادي والمنازل والخيام والأقة والأسواق، ومشاهد من عادات وتقاليد الناس في الأأعياد والأفراح والولائم والأزياء، ومشاهد من الصماعات والحرف اليدوية وتحفل لوحات عبدالله حماس وفايع الألمعي، وعلي الرزيزا، ومحمد المنيفوسعد العبيد ومفرح عسيري، وعبدالله الشيخ وعبدالحليم رضوي ndash; تمثيلا- بهذه الأجواء، كما نجد استلهامات التراث الإسلامي في لوحات بكر شيخون، وإبراهيم بوقس، وأحمد الأعرج، وصفية بن زقر، أما القضايا الإنسانية العامة فنجدها في لوحات سعد العبيد، وتغريد البقشي، وعبدالله شاهر، وأحمد فلمبان.
وقد استخدم بعض الفنانين والفنانات خامات متعددة في تكوين أعمالهم التشكيلية مثل الشبك، والأسلاك المعدنية، والزجاج، والحديد، والرخام، والخشب، والصبغات، ويبرز ذلك في أعمال لفيصل السمرة، وشريفة السديري، واعتدال عطيوي، وصديق واصل.
وقد أشار المؤلف إلى ع
من اعمال رضية برقاوي
دد من الاتجاهات والمدارس تنتمي إليها أعمال الفنانين والفنانات منها: الواقعية، والانطباعية، والسيريالية، والتجريدية، والتكعيبية، والحروفية العربية، ويورد المؤلف أسماء كل من: خليل حين خليل وعبدالحميد البقشي، وحنان الغامدي، وصالح الخطابي، وفيصل الشماري، وفهد الربيق، وحميدة سنان، واعتدال عطيوي، وهدى العمر، وصالح المحيني، ورضية برقاوي على أنهم يمثلون الاتجاه السوريالي في الفن التشكيلي السعودي، بيد أن من يتابع أعمالهم التشكيلية ير أن هذه الأعمال تركز بشكل كثيف على الانطباعي والتأثري والواقعي أكثر من تركيزها على ما هو سوريالي يحتفي بتيار الوعي، ولغة الأحلام، وتناقض الرؤى وتآلفها باطنيا، وتراسل الألوان ضديا، وغموض دلالات اللوحة وعمقها، فما يزال الفن التشكيلي السعودي يحتفي أكثر بالواقعية والتأثرية لاعتبارات تاريخية واجتماعية تنأى بالفنان عن ممارسة التجريب وآفاق الحداثة الفنية وما بعدها.
وعلى الرغم من الجهد التأريخي للكاتب، إلا أنه لم يشر إلى تأثير الفنانين العرب في حركة الفن التشكيلي السعودي، واكتفى بإيراد فصل مبهم عن quot; التأثير الغربيquot; الذي لم يحدث على الإطلاق بشكل مباشر، بل كان هناك تأثير عربي واضح تجلى في وجود عدد كبير من الفنانين العرب بالسعودية خلال المراحل الأربع التي ذكرها، ومن بينهم فنانون تشكيليون ومدرسون للتربية الفنية، وأكاديميون، من العراق ومصر وسورية والسودان، وهو يذكر بعض الأسماء في فصول الكتاب منهم: سعدي الكعبي، سلمان الدليمي، إبراهيم خليفة، خيري العاني، أحمد عبدالرحمن بلال، صلاح الخواص، محمد صبار، محمد السيد عطية، محمد شحتة حميد، محمد صالح أبو نحل،
من اعمال منيرة موصلي
وهؤلاء أسهموا في تأسيس الفن التشكيلي السعودي في بداياته، وإلى اليوم ماتزال أغلب أقسام التربية الفنية تعتمد بشكل رئيسي على فنانين وأكاديميين من البلاد العربية، وكان على المؤلف أن يضع فصلا عن تأثير الفنانين العرب في الفن التشكيلي السعودي.
ويقدم الكاتب بعض التوصيات في نهاية كتابه منها: إنشاء متحف للفن التشكيلي، وإنشاء كلية للفنون الجميلة، وصالات عرض فنية، وإصدار مجلة فنية متخصصة، وإيجاد نظام لتفرغ الفنان، وقد تضمن الكتاب صورا لبعض اللوحات التشكيلية، كما تضمن قائمة بأبرز الفنانين والفنانات السعوديات من مختلف الأجيال.

الفنان الراحل عبدالحليم رضوي

حميدة السنان تشكيلية سعودية