توقعتُ ndash; في ضميري طبعًا- أن ينتهي اللقاء التحضيري الأول للقمة الثقافية العربية الذي عقد ببيروت( 13-14 يوليو 2010) إلى عدد كبير من التوصيات المقترحة التي سيتم تداولها ونقاشها في قمة ثقافية عربية تعقد في العام 2011.
ولأن حجم القضايا الثقافية كبير، والحبل متسع على غارب الأسئلة، والأفكار، والطروحات، فقد حملت الوثيقة الختامية الصادرة عن هذا اللقاء سلة توصيات متنوعة، وكثيفة، لا أعتقد أن المشاركين في اللقاء قد توصلوا إليها خلال عدة جلسات عقدت في يومين، ويبدو أن الوثيقة معدة مسبقا، مثل بقية الوثائق والتوصيات التي تصدر عن مختلف المؤسسات العربية، ومنها المؤسسة الأكبر: جامعة الدول العربية.
وأول ما يبده في هذه الوثيقة الختامية (الأولية) هو لغتها الإنشائية، فمن كتبها كتب موضوعا إنشائيا مدرسيا بامتياز، لو قدم في مدرسة ثانوية لحصل مقدمه على أعلى الدرجات، فهو لم يترك كبيرة أو صغيرة في عالم الثقافة إلا أحصاها أو ذكرها أو أشار إليها، فهناك فرصة كبيرة لتوصيل مختلف قضايا الثقافة وأسئلتها الراهنة إلى القمة، وهي فرصة لنشر البساط الثقافي حيال قمة يشارك فيها الساسة العرب من أرفع المستويات.
لم تأخذ الوثيقة مسألة التدرج في طرح القضايا الثقافية، بحيث يمكن أن تركز هذه القمة الموعودة على اتخاذ ثلاثة أو خمسة قرارات فقط، حتى يمكن تنفيذها على أرض الواقع، على سبيل المثال : أن تلغي الرسوم الجمركية على الكتب وأن تسمح بحرية التنقل للكتاب العربي، وأن تهتم بتسويقه وترجمته، وثانيا: أن تنشىء مراكز للترجمة، وثالثا: أن تطلق سراح سجناء الرأي، و أن توسع من مجال حرية التعبير والفكر بحيث لا يقصف قلم، ولا يحجر على كاتب، ورابعا: أن تقوم بتجديد المناهج التعليمية في الصفوف التعليمية الأولى، وخامسا: زيادة الاهتمام ببرامج محو الأمية في القرى والأحياء الشعبية والأقاليم النائية في البلاد العربية.
لو نفذت مثل هذه التوصيات أو القرارات للمسنا تقدما يؤثر، ولوقعنا على حلم يتحقق، وإنجاز تاريخي يحكى ويحاكى. لكن أن تضع الوثيقة عشرات الموضوعات والتوصيات أمام القمة العربية وصانعي القرار، فهي تعجل بموت هذه التوصيات، وجعلها تتخذ الطريق السريع إلى الأرفف والأدراج، كأن الزمن يعيد نفسه تارة أخرى حيث وضعت الخطة الاستراتيجية الشاملة للثقافة العربية التي أعدت على مدار سنوات، واشتغل عليها أكاديمون ومثقفون من مختلف البلاد العربية وقدمت في العام 1985 للجامعة العربية، وضعت في أجمل الأدراج وأعرقها.
لم تنهج الوثيقة في توصياتها النهج العلمي الموضوعي، الذي يقدم اقتراحاته بشكل عملي وبخطوات قابلة للتنفيذ العاجل، بحيث يصدر بها من القمة العربية قرارات فورية، ولم تطلب الوثيقة زيادة ميزانيات وزارات الثقافة ( لتحلم بالاقتراب ولو من ميزانيات وزارات الدفاع)، أو دعم المؤسسات المدنية الثقافية، أو زيادة المساحة الثقافية في مختلف وسائل الإعلام، لكنها وضعت خطابا مطولا إنشائيا عائما يحمل في طياته أكثر من (25) توصية، باقتراحات تسد عين الشمس ndash; كما يقول المثل الشعبي- وتحجب الرؤية تماما أمام القادة، فهي توصيات واقتراحات حاجبة للرؤية لا مبينة للهدف أو الأمل المنشود.
هل يمكن اهتبال هذه الفرصة للقاء مباشر بين القادة والمثقفين العرب، بحيث يتغير شكل انعقاد القمة العربية، وليتم عرض الأفكار مباشرة بدلا من الوسيط الورقي، والتوصيات المكتوبة؟ وهل يمكن أن تستثمر هذه الفرصة لاغتنام قرارات تثري الثقافة، بشكل حقيقي، بحيث لا يعود المثقفون العرب من هذه القمة بخفي حنين.
إنها فرصة مواتية لا تتكرر كثيرا، خاصة وأن عالم الثقافة، وعالم السياسة لدى العرب، ضدان لا يجتمعان، مع هذا :
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا