هل العالم العربي بين قشتين؟
لا أقول ذلك مزاحا ولا سخرية.. فالقشتان حاضرتان بشكل حقيقي ومتواتر في بلادنا العربية، قشة الحقيقة ومن ثم الإنقاذ بعد الوشك على الغرق، وقشة الفساد التي توشك أن تودي بحياتنا.
قشة العلم والحداثة، وقشة التخلف والنكوص والرجوع للوراء. فبأي القشتين نمسك، أوندع؟
مثلان عربيان يترددان كثيرا في مختلف أدبياتنا العربية التليدة والطريفة الراهنة، وكلاهما يستخدم تعبير quot; القشةquot; لوصف الحالة، سواء على المستوى الفردي أم على المستوى الجماعي.
المثل الأول هو:quot; القشة التي أنقذت الغريق quot; والمثل الثاني هو:quot; القشة التي قصمت ظهر البعيرquot;.
في اعتقادي أن القشة التي ستنقذ العالم العربي quot; الغريقquot; هي قشة الحداثة وما بعدها، ولنسمها أي اسم، إذا كانت كلمة quot; الحداثةquot; تصيب البعض بالأرتيكاريا النظرية، لنسمها: التحديث، المعاصرة، التجديد، التطوير، السنة الحسنة، المهم أن ندخل إلى لحظتنا الحاضرة، أن نكف عن التقليد والتكرار في مختلف مجالات حياتنا، أن ندخل ثورة العلم والتقنية، بدلا من الوقوف كمتفرجين على إبداعات الحضارة غربا وشرقا.
دول كثيرة بلا تاريخ ولا ماض دخلت هذا العصر، وقدمت فيه إسهاماتها الكبيرة، من تايوان إلى سنغافورة وماليزيا وهونج كونج، ومن فنلندا إلى المجر إلى تشيكيا إلى صريبا، إلى أوكرانيا إلى دولة الكيان الصهيوني.. الكل دخل مجال الصناعة والعلم والابتكارات وحقق فيه إنجازات مهمة.
تصنع الأجهزة الكهربائية والالكترونيات ونحن متفرجون، تصنع الصواريخ والطائرات ونحن متفرجون، وتصنع السيارات والناقلات والشاحنات، وأجهزة الاتصال ونحن ما زلنا مشدودين إلى الخلف، إلى ماض لا يقدم ولا يؤخر، ولا يضيف جديدا، فما الفائدة أن أذكر الأسلاف ليل نهار وقد صاروا ترابا وجيفا؟ وما الفائدة أن أتحسر على ماض مقدس، وقد اختزنته بطون الكتب؟ وما الفائدة أن أنوح ليل نهار وأرتدي السواد وأثواب الحداد ويمضي العمر هباء دون أن أنجز ما يعين على الحياة، وما يضيء المستقبل؟ وما الفائدة أن أحلم بالحور العين وهن في علم الغيب؟ وأن أتحدث عن الجنة وهي تؤتى وتمنح بفضل الله تعالى لا بفضل الكسل والخمول والجمود والتقليد؟
أما القشة التي تقصم ظهر البعير فهي قشة الأصولية والراديكالية وهي قشة شاعت كثيرا في الزمن العربي الراهن، وحين تنظر لمنجزها الحضاري لا ترى إلا الحديث عن اللحى وإطالة شعر الوجه، وتقصير الثياب، والسواك، وحبة البركة، ودلائل الخيرات، وعذاب القبر ونعيمه.
هذا هو المنجز الكبير للأصولية التي ضيع الناس أوقاتهم في متابعتها ثم اكتشفوا أن وراء الأكمة ما وراءها.
نحن نحيا في ظل كارثة حقيقية ألمت بنا كعرب ومسلمين، كارثة لخصت الإسلام في لحية وقطعة قماش، كارثة لخصت الاجتهاد والفتوى في منع الاختلاط الآدمي الإنساني، و إرضاع الكبير والتمتع بالنساء، كما تقول إحدى المقولات المذهبية الكاذبة:quot; تمتع ولو ساعةquot;، كارثة جعلت صورة الإسلام في العالم هي النقاب والسيف والقنبلة واللحية، كارثة عطلت كثيرا من مفاهيم التحضر والعلم والمعرفة والإبداع، كارثة زوجت الديني بالسياسي فأنتجت لنا حملا كاذبا من الديكتاتورية، والتسلط، والتخلف الذي جعلنا في مؤخرة الأمم.
فبأي القشتين نمسك؟ ولأيهما سننتصر؟