قراءة عبدالله السمطي: تحرص الفنانة أمل فلمبان على استقلالية عناصر اللوحة، فتوزيع الألوان لا يأتي بشكل متداخل في اللوحة، ثمة تقسيمات هندسية عبر الخطوط النحيلة والسميكة التي تفصل بين المساحات اللونية كبيرة أم صغيرة.
والشخوص الحاضرة في اللوحة هي شخوص ثابتة، ناسكة في تأملها ونظراتها. تعمد الفنانة إلى تثبيت الحركة إلى الدعة والسكون.
في لوحتها quot; وجوهquot; تقسم أمل فلمبان اللوحة بشكل هندسي طولي وعرضي، إلى ستة أقسام متفاوتة المساحة، حتى إن اللوحة بصيغتها الكلية تأتي على شكل مربع (100x 100 ) لكنها تكسر هذا المربع بذهنية الاستطالة الدقيقة، بمعنى أن التركيز على استطالة الوجوه والأجسام النسوية في اللوحة وبعض أعضاء الجسم الأخرى أعطت بعدا مغايرا لمساحة اللوحة المربعة، وتمثل الأنثى الممسكة التفاحة في منتصف اللوحة مركز اللوحة الأساسي.
تتشكل لوحة (وجوه) من عدة عناصر: شخوص نسائية، آنية زهور، أوراق أشجار متطايرة.
في منتصف اللوحة أنثى تحتل مساحة اللون طوليا تقريبا، خلفها شكل وجه أنثوي مغمض العينين قليلا كأنه في ابتعاده في الخلفية يدقق النظر، يصبح النظر أكثر تأملا، فيما إن وجه الشخصية الأمامية أكثر جلاء ووضوحا: فالعينان مفتوحتان تماما، والوجه مكتمل التعبيرات، وعلى يمين ويسار اللوحة أنثى جالسة على درج، وأخرى واقفة مستندة برأسها على وجه الشخصية الأمامية الأساسية في اللوحة.
تجاور الوجوه الأربعة في اللوحة هو تجاور تعبيري، بمعنى أن كل وجه له تعبيرات تختلف عن الوجه الآخر.
الأنثى الجالسة على الدرج التي تسند رأسها بيدها يطل وجهها بشكل جانبي، يعبر عن تفكير عميق في مسألة ما، الوجه الخلفي يدقق النظرة، يغيب فيه جزء من الوجه، فيما إن الوجه على يسار اللوحة وجه مائل مستند كأنه في حاجة لأن يرى عبر الآخر.
الأنثى في منتصف اللوحة هي الأكثر طولا، والأكثر بحثا عن اليقين، والأكثر ثباتا ورسوخا، كأنها هي الملهمة، أو هي التي تتلاقى عندها دلالات اللوحة.
ثمة سكون متأمل لكنه أكثر احتشادا بالأسئلة، فنظرات الأنثى في منتصف اللوحة، توحي بأن ثمة مشهدا قريبا تتأمل فيه، وأوراق الشجر المتطايرة في الخلف، المتساقطة، لا يقابلها قدر من الحركة لدى الشخصيات الأنثوية، فهي شخصيات ثابتة في تأملها.
الوجوه مائلة، أو مستندة، وقد جادت الفنانة بمعادل رمزي لهذا الميل والاستناد عبر آنية الزهور في الخلفية، كأن الوجوه تحاكي هذا الميل والاستناد لدى الزهرات في الآنية.
الوجوه متعددة الجوانب، كان quot; بيكاسوquot; ينهض بذلك في لوحته ليعطي دلالات أخرى حيث يقوم برسم الوجه من زوايا متعددة، هذا التعدد يدل على أبعاد سيميائية في اللوحة. أمل فلمبان تستدعي هذا التعدد وهذه الأبعاد.
إذا ما أنعمنا النظر أكثر في اللوحة سنجد أن لون الآنية والزهور هو نفسه أحد ألوان الخلفية:quot; السماوي بدرجاته الفاتحة، والداكنة، وهو لون يعطي فضاء واتساعا خاصة أنه يطل من وراء مستطيل داخل اللوحة يشبه النافذة، فيما أوراق شجر تتساقط من أعلى اللوحة. كأنه الخريف كأنه الشتاء القادم بضبابيته، وهنا يتجلى التوازي اللوني للوحة، وهو تواز مقسم بحنكة. فيمين اللوحة الأسود يحاكي أعلى اليسار، فيما إن اللون البني ndash; بدرجاته- يهيمن على أجزاء واضحة في اللوحة لدرجة التماهي بينه وبين إحدى شخصيات اللوحة.
وفيما يمثل quot; السماويquot; اللون الأكثر دلالة على الاتساع بما يمنحه من فضاء مطلق، فإن اللون البرتقالي في منتصف اللوحة يعطي الدلالة الأكثر توهجا بأهمية الأنثى في منتصف اللوحة.
هي تمسك بتفاحة .. هل تشير إلى الآخر؟ هل هن في انتظار آخر يأتي من التأمل، من المطلق المتواري خلف النافذة في سماويته؟
هل ثمة من بعد زمني؟ قطار الوقت الذي يمضي، فتتساقط أوراق الشجر، وتنحلُ الأجسادُ، وتدق النظرات، وتسكن الحركة؟
إن quot; وجوهquot; أمل فلمبان تشي بذلك كله، وهي تستخدم ثيماتها وعناصرها في اللوحة كالزهرات والتفاحة والشمعة والطائر، وأوراق الشجر المتطايرة لتهب لوحتها قدرا من الرمزية، وبعدا تأويليا يجعل الذهن في يقظة دائمة على الرغم مما يبدو على اللوحة من سكون وتأمل ودعة.
- آخر تحديث :
التعليقات