عمار سلمان داود: لطالما جنحت في صناعة صوري باتجاه ما أسميته ب (الهيئة الجامعة)، وهي التي ينتظم عادة تحت لوائها مجموع مختلف من الهيئات.
فهي جامعة من جهة صلة قرابتها الجزئية أو الكلية بمجموع الهيئات التي تؤسس لبنيتها، وهي القرابة التي ستحول صورتي إلى وعاء للتواشج الكلي.
وسيتم هذا بواسطة الاستقراء، الذي هو الانشغال بتتبع أحوال الهيئات، ومعرفة خواصها ودرجات قرابتها من بعضها البعض، فمنها ما يحوي على صلة قرابة بنيوية، ومنها ما يحوي على تلك الصلة من ناحية المحتوى الدال على معنى أو إشارة ما.
وهكذا فان نزع أو تحوير أو اختزال قدر معين من ألأصل الشكلي لتلك الهيئات، وهو الأصل الذي كانت تمتلكه حين كانت في العالم، سيؤدي إلى أن تسلك تلك الهيئات سلوكا ملتبسا في عالم الصورة :
فلا الكمثرى كمثرى
ولا الدمعة دمعة
ولا الجبل جبل
ولا المثلث مثلث
ولا السماء سماء
ولا الغيمة غيمة

عمار سلمان، من مجموعة مزاج عربي، مواد مختلفة على ورق، غالري الأندى / عمان

وهو السلوك الذي سيضع - بتفاقمه - معاين الصورة إزاء الهيئة الجامعة بدلا من الهيئات بصيغها كمفردات.
إلى أي من المدلولات ستفضي الهيئة الجامعة؟
ليس بالتأكيد إلى ذلك المدلول الذي اعتدناه.
بل سيكون مدلولا مراوغا في آن، وسديمي المضمون في آن آخر، فإذا كانت الهيئة فانية عن شيء من أصلها الطبيعي، فأنها لابد حاضرة بغيره، أو إذا كانت باقية في شيء من أصلها فأنها، لا محالة، فانية ٍعن كلية ذلك الأصل ومتفانية في الهيئة الكلية التي يضعها المصور.
فالصورة بهيئاتها المتحولة او المتنافذة، لا تروي شيئا، وان روته فلن تفعل ذلك إلا بعد أن تعمده بالتباس السرد. وهي منذورة لان تكون تمردا على عملية الفهم. فبدلا من ان تضيء المعنى ستزيد من تفاقم عتمته وهي عتمة قابلة لشتى التأويلات. وربما كانت هذه العتمة سببا من أسباب كون صانع الصور محكوما بقوى خارجية تتدخل في صناعته، فلا تزال الطبقات التحتانية لجوهر نفسه (لاوعيه) تغطي عين الهيئات التي عرفها الإنسان قبل التأريخ، ولن يتمكن العقل من أن يهمشها، ولهذا فأنها سرعان ما تطفو على السطح لدى كل شروع في صناعة الصور، فالصانع العارف، هو كمثل غيره من البشر، يقرأ الصورة كما لو انه ليس صانعها، وهذا هو مبلغ المطاف واس الخبرة في الصنعة، حيث الصانع يصبح مستهلكا، وهو أول المندهشين، لما يعتريه من انفعال لملاقاة ما صنعه، وكأنه يفعل ذلك لأول مرة.
أيقوم صانع الصور بمهمة العرّاف؟
وهذه القماشة، حاضنة الهيئات، والتي ارسم عليها، إن فكرت فيها : طولها، عرضها، لونها الأبيض، تعذَّر عليَّ أن أرسم عليها، وإن فكرت فيما سأرسم، تعذَّر عليَّ التفكير في القماشة. ففي الحالة الأولى، سأقول:
أنا باقٍ في القماشة، فانٍ عن التصوير،
وفي الحالة الثانية، أقول :
أنا فانٍ عن القماشة، باقٍ في التصوير.
إن الفناء في التصوير هو أن يبدو لك بكمال عالمه، فينسيك كل شيء، ويغيبك عن كل شيء، سوى الصور والهيئات التي تتوالد، وهو أن تقول : هو عمل في مكان خارج عن المكان والزمان، ومن فنيََّ به وانجذب إليه غاب فيه عن كل شيء.
أيفعل المرء مع التصوير عين فعل الصوفي مع الله؟

مقطع من نص طويل بعنوان ( خطاب في أحوال صناعة الصور )

صانع صور من السويد

[email protected]

http://amardawod.blogspot.com/