عبدالله السمطي من الرياض: ليست لوحة مزدحمة بالشراهة اللونية هو ما تنشده الفنانة التشكيلية عواطف آل صفوان، وليس نوعا من فوضى الخطوط والبعثرة هي ما تعنيه، إنما تصبو في لوحتها إلى تقديم شكل العالم الخفي، عالم الغياب، العالم الميتافيزيقي الذي يقود نهاية الأمر إلى عالم الواقع.
ليس التأويل معكوسا تماما بقدر ما يمكن القول: إن الفنانة تبدأ من الغياب وصولا إلى الحضور، ومع هذا الانهمار الكثيف للخطوط والألوان المشتجرة فإن عواطف آل صفوان تضعنا حيال الوعي، باصطخابه، وزخمه، وتموجه، وتآلف المتطابقات. إنه عالم سحري لوني تموج من خلاله الروح، وتتلاقى الحواس.
تستخدم عواطف آل صفوان في تشكيل لوحتها، نوعا من الفن الشرقي الذي يسمى quot; الباتيكquot; BATIK وهو فن زخرفي منتشر في دول جنوب شرق آسيا وفي الهند منذ القرن التاسع الميلادي، وهو متعدد الأنماط، وتتعدد خاماته ما بين الشمع والألوان الزيتية،
quot;وفي زخارفquot; الباتيكquot; الإندونيسي طراز معين يسمى quot;تومبال Tumbal ndash; أي الزخرفة بالمثلثات- يقول بعض الباحثين إن هذه الزخارف تطوير للثقافة الهندسية التي غمرت البلاد في غابر العصور، ويعتقد البعض الآخر أنها رسوم سحرية توارثها الأبناء عن الآباء، وأنها ترمز إلى الخصوبة لشدة التشابه بينها وبين أوراق أعواد الغاب التي تنتشر بوفرة في تلك البقاعquot; ( مختار العطار: الفنون الجميلة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى 2002 ص 112 )
وما يعنينا من هذا الفن ليس خاماته المستخدمة بالضرورة بل يعنينا ما يحتضنه من دلالات حال أدائه على اللوحة التشكيلية، فهو يعطي كما أشرت زخما لونيا، وكثافة تأويلية تبدأ من الغياب إلى الحضور، كما يبين مهارة الفنان في استثماره للمنمنمات والموتيفات والجزئيات اللونية الصغيرة في تشكيل نسق نص اللوحة، وهو ما تنهض به عواطف آل صفوان بشكل جلي. فلا تقف اللغة اللونية ndash; إذا صح التعبير- عند الفنانة عند حدود الرقش، والتوشية، والنمنمة، بل تنطوي هذه اللغة على دلالات أخرى تعطيها اللوحة الأخرى المخبوءة وراء الظلال والخطوط المشتجرة بكثافة. فكأن سطح اللوحة المزدحم بالألوان والأشكال الباتيكية هو سطح خال، محايد، وكأن ما وراء هذا السطح هو الموضوع الجوهري للوحة.

لقد مرت اللوحة فنيا عند عواطف آل صفوان بعدة مراحل، وهي الحاصلة على عدة دورات في فن الباتيك
كانت المراحل الأولية تنطوي على تكوين نسيجي متشابك، خطوط أفقية ورأسية متقاطعة على شكل شبكة تملأ فراغاتها بلون أو لونين من فصيلة لونية واحدة، ثم تقوم بالتنويع على هذا السطح الشبكي برسم أشكال عفوية وتلقائية منمنمة صغيرة.
ونجد في لوحة لها بعنوان:quot; حمامة السلامquot; أنها قد أبدت اهتماما كبيرا بميتافيزيقا اللوحة، فخلف هذا النسيج الشبكي الذي أضحى خيوطا رأسية فحسب، تقطعها بعض الأشكال المنمنمة التلقائية، عبر ألوان مائية خفيفة تبرز ما وراء هذا النسيج، حيث تتجلى الحمامة بلون آخر من درجات الأزرق وهي تطير داخل هذا النسيج الذي يتمثل في منتصف اللوحة، فيما إن أسفل اللوحة وأعلاها ممتلئان بالأشلاء البشرية، ببقع لونية فوضوية، تعبر عن فوضى العالم من دون سلام.
كانت المراحل الأولى عند الفنانة أكثر هدوءا، كانت الفنانة تستخدم لونا أو لونين خفيفين غير كثيفين، وغير داكنين، يشفان عما خلفهما، تستخدمهما لبيان إشراقة الميتافيزيقي أو اللوحة المضمرة التي تتشكل في الخلفية.
في المرحلة الراهنة شهدت لوحة عواطف آل صفوان نوعا من احتشاد الكثافة اللونية، تعددت الخامات التي تتطور مع استثمار فن الباتيك، لتصبح اللوحة عندها أكثر عمقا وأكثر بوحا بالأسئلة والدلالات.