حازم صاغيّة


أولى الخرافات التي تزدهر مع كلّ مذبحة طائفيّة هي أنّ laquo;الآخرraquo; أو laquo;الغريبraquo; فعلها. إسرائيل وأميركا جاهزتان. إيران، في نظر البعض، جاهزة أيضاً. والله قد أنعم علينا، منذ سنوات، بـraquo;القاعدةraquo;. هؤلاء يفعلونها. نحن لا.

لا يصعب العثور على تصريح هنا أو عبارة هناك يتفوّه بهما مسؤول إسرائيليّ أو أميركيّ أو إيرانيّ أو laquo;قاعديّraquo;. عندها نتنفّس الصعداء: ألم نقل لكم إنّنا عرضة لمؤامرة خطيرة؟!.

منذ سنوات تتكاثر التحليلات القائلة إنّ laquo;القاعدةraquo; لم تعد جسداً مركزيّاً واحداً، ولا قيادة واحدة. هناك laquo;قواعدraquo;، ولكلّ بلد laquo;قاعدتهraquo;. والإشارات تفيد أنّ laquo;القاعديّةraquo; تغدو، بالتدريج، laquo;إيديولوجيّةraquo; قطاعات متوسّعة من السكّان. laquo;القاعدة/ القواعدraquo; هم الآن إخوة وأبناء عمومة وجيران.

ثانية الخرافات من نوع ثقافيّ. إنّها ذاك الجمع بين تمجيد الكثرة (ويجمعها بـraquo;الأكثريّةraquo; المصدر اللغويّ ذاته) وبين زعم احترام الأقليّات. ثقافات تمجيد الكثرة (الجماهير، الشعب، الأمّة) ثقافات قاتلة للأقليّات. الستالينيّة والنازيّة لم تفعلا إلاّ هذا. الثقافات الديموقراطيّة هي التي تشدّد على ضمانات الأقليّة بقدر ما تشدّد على حكم الأكثريّة. وفي هذه الغضون، تمجّد الفرد وإنجازاته وحريّاته.

ثالثة الخرافات تقول: الشعب كلّه مضطهَد، فلماذا التركيز على أقليّة بعينها. هذا سجال ألمانيّ معروف: البعض كانوا، وما زالوا، يقولون: الألمان كلّهم اضطهدهم النازيّون، لا اليهود وحدهم. الجواب أنّ غير اليهود تعرّضوا لاضطهاد سببه سياسيّ وإيديولوجيّ أو ناجم عن سياسات اقتصاديّة معيّنة. اليهود اضطُهدوا لأنّهم... يهود. هذا شيء آخر. إنّه اضطهادان معاً. لهذا فالعالم الخارجيّ حسّاس حيال اضطهاد الأقليّات أكثر ممّا حيال اضطهاد laquo;الشعبraquo;.

رابعة الخرافات: إنّها مؤامرة على الوطن. حسناً. لكنْ إذا بدأت المؤامرة على الوطن بالمؤامرة على الأقليّة، وجب أن يكون حلّ مشكلة الأقليّة مقدّمة لإحباط المؤامرة على الوطن. هذا يعني إيلاء أهميّة قصوى، في البرامج الوطنيّة، لمسألة الأقليّات. الحاصل: طمس مشكلة الأقليّات لصالح laquo;وطنraquo; يتطلّب منها التضحية بلا انقطاع.

خامسة الخرافات، ومصدرها مسيحيّ ذميّ يجد بعض أصدائه القويّة عند بعض المسلمين: نحن نمثّل المسيحيّة الشرقيّة، ونحن تغلب وعدنان... ماذا لو لم يكن المسيحيّون من تغلب وعدنان؟ هل كان ما يحصل جائزاً؟. ثمّ إنّ هذه المسيحيّة الشرقيّة بنت صراعات الملل والنحل، وأقلّ تعرّضاً للإصلاح الدينيّ، بلا قياس، من المسيحيّة الغربيّة. أفضل مليون مرّة للمسيحيّين وللمسلمين laquo;الشرقيّينraquo; أن يلتفتوا إلى تجارب المسيحيّة الغربيّة وإلى تجاوزها لذاتها نحو أفق علمانيّ وأن يتعلّموا منها. تغلب وعدنان وغسّان باتوا عملة لا تُصرف في عالم اليوم.

سادسة الخرافات: الحلّ في القضيّة. الأمر، أقلّه في مصر، ابتدأ بعبدالناصر والقضيّة. بالعكس تماماً: العودة التدريجيّة عن القضايا تساعد أكثر في تركيز الاهتمام على حلّ المشاكل الفعليّة للأوطان. تجريب المجرّب والعود ثانيةً على بدء لا ينفعان سوى في تبرير الهرب من المشاكل تلك.

سابعة الخرافات، التساؤل: من المستفيد ممّا يحصل للمسيحيّين العرب؟ والجواب بالطبع: إسرائيل. بغضّ النظر عمّن كان مستفيداً، فإنّ هذا الذي يجري غير صالح وغير صحّيّ وغير إنسانيّ وغير وطنيّ. السؤال أعلاه يخفّف من هول الكارثة ويعيد تدويرها في الأرباح والخسائر السياسيّة. إنّه سؤال ينبغي ألاّ يُسأل، بل ألاّ يرد إلى الذهن أصلاً.

ثامنة الخرافات: نحن شعب أصيل وحضاريّ، لهذا لا خوف علينا من laquo;الفتنraquo;. الحقيقة أنّنا مجتمعات تتصدّع وتتنازع أهليّاً ويسرح فيها الاستبداد والتخلّف على أنواعهما. نحن، إذاً، عرضة لـraquo;الفتنraquo; وللوقوع في laquo;حبائلهاraquo;. فلننظر حولنا إلى بلداننا وكيف تتصدّع بلداً بلداً.

تاسعة الخرافات: نحن إخوان ولا مشاكل بيننا. لكنّ الإخوان منذ قايين وهابيل يقتل واحدهم الآخر. نريد أن نصبح مواطنين، لا إخواناً، مواطنين يعترفون بوجود مشاكل بينهم، ويحيلون أمر تذليلها إلى الدولة والقانون، فضلاً عن الثقافة والأفكار الحديثة.

عاشرة الخرافات: إنّهم يسلّطون علينا صراع الحضارات. صراع الحضارات نحبطه حين لا نتضامن كلاًّ واحداً في مواجهة كلّ واحد مفترض، وحين نُظهر ونظهّر انقسامنا وحيويّتنا كمجتمعات، بدل إعلاء وحدة إسميّة لا تكون سوى واجهة لحقول القتل المفتوح.