غسان الإمام

ضع مسدسا في يدي. سأريك كيف أتصرف معك. هكذا يتصرف حزب الله اليوم، ومسدسه مثبت إلى صدغ لبنان. الحزب ماض، بتدرج متسارع، نحو فرض دكتاتورية الطائفة، على ديمقراطية الطوائف. تم إسقاط حكومة سعد الحريري بعملية ديمقراطية. حتى هتلر كان ديمقراطيا في زحفه السريع لاغتصاب السلطة.

اتهام الحزب باغتيال الحريري ليس نهاية الدنيا. الاتهام يحتاج إلى مستمسكات قوية. المحكمة أثبتت حيادها، بإطلاق سراح ضباط الأمن (عصبة الأربعة) المنحازين. لكن لماذا يخاف الحزب laquo;المعصومraquo;، من المحكمة؟ حسن حزب الله يحلف برأس العماد عون، بأنه laquo;ما شافش حاجةraquo;. لكن مجرد اتهام الحزب بقتل الحريري الأب، سيسقط حزام عفته، ليفقد الحزب سمعته لدى العرب.

في حرصه على حماية لبنان من اعتداء حزب الله على أمنه، ذهب سعد الحريري في استرضاء الحزب وإيران، إلى الحد الذي جعل حلفاءه laquo;يزعلونraquo; منه. أخيرا حسم حيرته بين العدالة والأمن، laquo;فشلحوهraquo; الحكومة. هو اليوم خارج الحكم أقوى مما كان داخله.

هذا الشاب الوارث للزعامة، مر بتجربة سياسية صعبة، لم يمر بها أبوه الراحل. كانت التجربة قاسية سياسيا وشعبيا، وهو حديث العهد بالسياسة. هل يعود الحريري إلى الحكم، بعد انتهائه من حكومة laquo;تصريف الأعمالraquo;؟ الساسة في لبنان يميلون حيث يميل ميزان القوة. laquo;النهارraquo; الحريرية تعترف بأن حزب الله استمال عددا من النواب laquo;الفلتانينraquo; بحيث بات يملك laquo;الأكثريةraquo;. وهو يبحث عن زعيم سياسي، على مقاسه، وليس على مقاس الطائفة السنية. يريد رئيسا للحكومة ينسحب من المحكمة. يذعن للأمر الواقع الذي فرضه الحزب بالقوة.

من هنا، صعوبة الاستشارات التي سيجريها الرئيس ميشال سليمان. إذا انحاز جنبلاط بكتلته المنقسمة إلى أحد مرشحي الحزب (كرامي. ميقاتي. الصفدي. مراد)، ضمن الحزب السيطرة على الحكومة المقبلة. حكومة تعطيل العدالة.

هل تتدخل أميركا في لبنان، إذا استكمل حزب إيران انقلابه laquo;الدستوريraquo;، باجتياح السنة، وفرض حكومة منحازة، كما في العراق؟ الرئيس أوباما، بطبيعته كمثقف، وكرئيس يخوض حروبا مكشوفة وخفية، في ديار الإسلام، لن يتدخل في لبنان، على الأرجح. فهو غير راغب، أو ربما غير قادر، حتى ولو كانت سنة لبنان ترحب بنزول المارينز على شواطئها، وفي مدنها الكبيرة (بيروت. طرابلس. صيدا).

أين السعودية وسورية من الوضع في لبنان؟ هناك قلق مشترك. قلق ممزوج بالملل من تعنت الحلفاء اللبنانيين، إذا لم أقل الملل من دلعهم. كانت علاقة الحريري الأب والابن بالسعودية سبب الغضب السعودي، إزاء التصفية اللاإنسانية التي تعرض لها رب الأسرة. انعكس الغضب على علاقة السعودية مع سورية التي لا تقل مكانتها عن مكانة لبنان، في قلب وعقل الملك عبد الله بن عبد العزيز. والدليل مسعاه القديم لتحقيق المصالحة المستحيلة بين الأسد وصدام، مقدما في ذلك المصلحة القومية، على أية اعتبارات سعودية أخرى.

اتجاه التحقيق نحو اتهام حزب الله بترحيل الحريري الأب، خفف كثيرا من laquo;زعلraquo; السعودية من سورية بشار. بل تحول هم البلدين، إلى بذل جهد مشترك، لتهدئة حلفائهما في لبنان.

نجح الرئيس بشار في الخروج بنظامه سالما، بعد الخروج السريع بجيشه من لبنان، إثر اغتيال الحريري (2005). وعادت سورية إلى أداء دور اللاعب المحوري في لعبة الأمم بالمنطقة، باعتراف أوروبا وأميركا التي يسارع رئيسها أوباما إلى إرسال سفيره إلى دمشق، متجاهلا الكونغرس (الجمهوري) المعادي لسورية. الأسد الشاب أكثر حيوية من أبيه الراحل الأكثر حذرا وتحفظا. غير أن هناك بعض الغموض في موقف بشار من لبنان. بشار لا يريد سيطرة حزب الله على لبنان. فقد تنهي النفوذ السوري فيه. مع ذلك، فقد قال في مناسبات تلفزيونية أنه مع laquo;التغيير في لبنانraquo; ثم عاد ليقول إن العلاقة الوثيقة مع إيران، لا تتطابق تماما مع سورية، لا سيما في لبنان، حيث laquo;لا يتوفرraquo; لإيران الفهم السوري العميق لوضعه.

نعم، لا بد من الاعتراف بأن العلاقة السعودية / السورية تتعرض إلى صعود وهبوط في حرارتها، تبعا للطقس السياسي المضطرب في لبنان. مع ذلك، أقول إن هناك حدا أدنى من التنسيق بين البلدين، في لبنان وغير لبنان، بحيث بات من الصعب ترجمة الصعود والهبوط، إلى مهاترات إعلامية.

لا حرب مع إسرائيل. حزب الله يفضل الحرب في لبنان. فهي أقل في الخطر والخسائر، وأكبر في المكاسب. تدخل الحرب اللبنانية مرحلة المشاورات المعقدة، لتشكيل حكومة جديدة. سعد الحريري يظل المرشح الأقوى. عمر كرامي مرشح دائم، لقربه من سورية وحزب الله. نجيب ميقاتي، ومحمد الصفدي، مرشحان في الاحتياط جاهزان فورا للخدمة. وهما يرتبطان بعلاقة طيبة مع حركتي 8 آذار و14 آذار. ثم هناك عبد الرحيم مراد وهو مرشح فاقع اللون. رماديته قريبة من حزب الله وسورية.

أعود إلى تذكير الحريري بالرجل الكبير رياض الصلح. فقد كان يحرص على استقطاب زعماء السنة. يستقيل من الحكم، ليتيح المجال للشيخ عبد الحميد كرامي، أو غيره، لتشكيل الحكومة. وبالتالي، فاستقطاب الحريري لهؤلاء الزعماء، يدعم مركزه أمام سورية وحزب الله. ويخفف من قدرة الحزب على استيعابهم، كما يحدث الآن، واضعا الجزرة الحكومية نصب عيونهم.

أخيرا، أود أن أقول إن قضايا الاغتيال الكبرى تظل لغزا لدى الرأي العام، أيا كان حكم المحاكم والعدالة. ظل اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (1940) لغزا سوريا. اغتيال الرئيس جون كيندي وشقيقه روبرت ما زال موضع أخذ ورد، فيما حكم المحكمة برأ الأجندة المخابراتية من التورط. مقتل الأميرة البريطانية ديانا لغز آخر. العدالة في إسرائيل أدانت قاتلا واحدا لإسحق رابين، فيما عاد محرضوه الإعلاميون، إلى واجهة الحكم. حتى الوفاة المبكرة لجمال عبد الناصر ظلت موضع الشبهة.

وصولا إلى الحريري الراحل الذي سيبقى لغزا خالدا. فقد نجح خصومه في تسييس المحكمة الدولية، قبل أن تضعهم في دائرة الاتهام الذي لن تجد المحكمة شرطيا واحدا في لبنان، يلاحق المتهمين. لا يجد حسن حزب الله حرجا في الاقتداء laquo;بالمتهمraquo; عمر البشير laquo;المتمردraquo; على العدالة.

مبدأ المحاكم الدولية لاقى معارضة أميركا الشديدة. فيما إلى الآن، لم توقع على الاتفاقات الدولية القاضية بإقامتها، خوفا من الإمساك بساستها وضباطها، خلال رحلاتهم الخارجية، فيما هي اليوم في مقدمة المدافعين عن محكمة الحريري، أسوة بدورها المشرف في البلقان، عندما أجبرت أوروبا على التدخل المسلح هناك، لوقف مجازر الصرب الأرثوذكس في البوسنة المسلمة. ثم لاحقت أميركا صربيا. وأجبرتها على تقديم قادة وجنرالات الصرب إلى المحاكم الدولية. المضحك. المبكي. أن أميركا عاجزة عن ملاحقة أشباه سلوبودان ميلوزيفيتش ورادوفان كراديش، في لبنان.