رشيد بن حويل البيضاني


في منطقة الخليج ــ الجزيرة العربية ــ ظهر من بين سكانها، قبل الإسلام وبعده، شعراء وأدباء وعلماء أثروا الحياة اللغوية والأدبية والفقهية لأمة كانت ذات يوم فيما بعد مصدر هداية للعالم بأسره.
وفي العصر الحديث، شاء المولى العزيز: أن تحظى هذه المنطقة بثروات، تعود خيراتها وثمارها، لا على أهل الخليج والجزيرة فحسب، بل ينعم بها القاصي والداني، بترولها وغازها ومعادنها، يتغلغل في كل بلد في أنحاء المعمورة، ويعمل على أرضها بشر من كل حدب وصوب، يرتزقون، ويعودن لبلدانهم ليسهموا في تطويرها وتنميتها وازدهارها.
ربما لا يدرك الكثيرون منا، أو على الأقل يتغافلون عن هذا الدور الذي تخترق آثاره كل بشر من الكوكب الأراضي، ولو أدركنا ذلك حقا، وعلمنا حقيقة الدور الإنساني والحضاري الذي يلعبه الخليج ــ ونحن في المملكة بالطبع نمثل الشطر الأكبر منه ــ لكان موقفنا تجاه بلادنا ومنطقتنا وخليجنا أفضل مما هو عليه الآن، لكن الجهل ــ قاتله الله ــ يعشعش في العقول، ويكتنف الأفكار، ومن ثم تنعكس آثاره السلبية على سلوكياتنا وأفعالنا.
وسأضرت مثالين اثنين فقط على هذا الجهل الذي ران على عقول الكثيرين من أبناء الخليج، حيث يتمثل النموذج الأول في إصدار كتاب في دولة خليجية شقيقة، ضم على صفحاته خريطة للخليج، وكتب عليها الخليج الفارسي!!
أما النموذج الثاني، فهو يمس خاصية من أهم ما يميز الشخصية الخليجية، وسكان الجزيرة العربية، ألا وهي اللغة العربية، فقد راعني وأحزنني ما قرأته في جريدة عربية كبرى، عن الدكتور مرزوق بن صنيتان، وهو باحث سعودي في جامعة الملك سعود، الذي أعلن في محاضرة له في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، عن توقعه بأن تتحول دول الخليج إلى الحديث باللغة الإنجليزية خلال السنوات السبع المقبلة، معللا ذلك بأن 80% تقريبا من سكان الخليج لا ينطقون العربية، وأضاف الباحث مفسرا: أن منطقة الخليج العربية ستصبح خلال السنوات السبع المقبلة خليطا غير منتم إلى لغة بعينها، وسيلجأ سكانه متعددو الجنسيات والثقافات إلى لغة وسيطة للواصل بينهم وهي الإنجليزية.
الخبر من رجل أكاديمي مزعج للغاية، ويعكس جهل أبناء الخليج بأهم مقومات شخصيتهم، فماذا يبقى لنا بعد أن نفقد لغتنا القومية، لغة ديننا وثقافتنا وحضارتنا؟!
لقد كتبت ــ على ما أذكر ــ وحذرت من قبل من خطورة استقدام العاملين الأجانب من غير البلدان العربية والإسلامية، وبخاصة تلك العمالة غير الفنية، فلا هم خبراء لا يمكن استبدالهم بغيرهم، ولا هم علماء لا يمكن الاستغناء عنهم، وأشرت ــ وأكرر في هذا المقال ــ إلى ضرورة اتخاذ العديد من الوسائل التي تضمن لنا عدم المساس بثوابت وجودنا على تلك الأرض، وذكرت أن بعض المدن ــ كالدمام مثلا ــ تتحول يوم الجمعة بصفة خاصة، وهو يوم عطلة العمال في المزارع والمصانع، إلى مستوطنة شرق آسيوية، حيث يختفي أهل البلد، ويفترش البنغال والهنود وأشباههم، الطرقات والأرصفة، يملأون الشوارع والمحال والمطاعم، وهذا بالطبع له تأثيرات سلبية على الحياة الاجتماعية بشكل عام، وتأثيره على اللغة خطير، فمحال ومؤسسات كثير من مدننا تحمل أسماء هندية وبنغالية وسيريلانكية وكورية، وبات المتعاملون معها، حتى من أهل البلاد، يتحدثون إما لغة عربية غير صحيحة، أو بلغة أجنبية، إنجليزية أو هندية.
الحل، ولن آمل من المطالبة به، يتمثل في تحديد فئات وجنسيات العمالة التي تحتاج إليها، ونقصرها في دول تتفق معنا لغة وديناً وثقافة، وألا يكون استقدام العاملين من دول غير عربية أو إسلامية إلا في حالة الضرورة القصوى التي تحددها الجهات المعنية والمتخصصة في البلاد، هذا من جانب، ومن جانب آخر، لا يتم التعاقد مع أجنبي إلا إذا كان ملما باللغة العربية قبل حضوره، وأن يتم تفعيل مراكز تعليم اللغة العربية في المدن الكبرى في المملكة، وكثير من الدول، يشترط على القادمين للدراسة ــ مثلا ــ تعلم لغة أهل البلاد، بل والحصول على درجات محددة للانخراط في جامعاتها، بل إن إسرائيل ــ على سبيل المثال ــ لا توفر فرص العمل إلا لمن يجيد العبرية من اليهود أنفسهم.
فلماذا لا نغار على لغتنا، وهي أساس ديننا، بل وأساس وجودنا، ومكون رئيس من مكونات شخصيتنا؟!
أعود وأقول: إنه الجهل الذي تمكن من العقول، فأعمى الأبصار والبصائر، جهل الأبناء بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.