صلاح منتصر

يبدو انفصال جنوب السودان لإنشاء دولة مسيحية، قريباً من انفصال باكستان عن الهند عام 1947، لكن لإنشاء دولة مسلمة. فالسبب الديني لإنشاء كل من الدولتين واحد.
والمعروف ان بريطانيا استعمرت شبه القارة الهندية منذ عام 1858 وخلال فترة كفاحها من أجل الاستقلال اشترك الهندوس والمسلمون الذين يكونون الديانتين الرئيسيتين في شبه القارة في حزب واحد يقود الكفاح من أجل الاستقلال هو حزب المؤتمر القومي الهندي، بيد أن الإنكليز نجحوا في إشعال الفتنة بين الهندوس والمسلمين فسادت أعمال عنف عديدة بين الفريقين وجرت مذابح كثيرة تعرض لها المسلمون، مما جعل محمد علي - جناح أحد زعماء حزب المؤتمر - يعلن استقلاله عن الحزب ويقود حركة لانفصال المناطق الشمالية الغربية من الهند من خلال حزب جديد عرف بحزب الرابطة الإسلامية. وكما لعب الإنكليز دوراً في السودان لتشجيع انفصال الجنوب، كذلك كان هذا الدور لتفتيت الهند. وقد حاول الزعيم الهندي المهاتما غاندي، الذي قاد دعوة الكفاح السلمي ضم محمد علي جناح واغراه بأن يكون أول رئيس لجمهورية الهند بعد استقلالها لكن جناح رفض الدعوة نتيجة تزايد أعمال الكراهية ضد المسلمين، ومرة اخرى حاول الزعيم الهندي غاندي الدعوة إلى الوحدة الوطنية بين الهندوس والمسلمين، لكن الأمر انتهى بانفصال باكستان وإعلانها في 14 أغسطس 1947 دولة مستقلة، وفي اليوم التالي حصلت الهند على استقلالها، أما الزعيم غاندي، فقد جرى اغتياله على يد متعصب من الهندوس عام 1949 بعد ان اتهمه بالخيانة العظمى. وفي ما بعد حدث انفصال آخر داخل الدولة الباكستانية بسبب الجغرافيا التي كانت تفصل منطقة البنغال الواقعة في المنطقة الشرقية عن المنطقة الغربية لباكستان، وكان يفصلهما الهند، فانفصلت المنطقة الشرقية وأصبحت دولة بنغلادش عام 1971.
ورغم فرحة المسلمين بإنشاء باكستان المسلمة فإن ذلك لم يمنع بعض المفكرين، ومنهم المفكر الجزائري الشهير مالك بن نبي من إعلان ان باكستان كانت صنيعة المحتل الإنكليزي - كتابه laquo;في مهب المعركةraquo; -، الذي قصد أن يعزل الإسلام عن الشعوب الهندية من ناحية ويحول بين إقامة اتحاد هندي قوي من ناحية أخرى، ويعمق الهوة بين الهندوس والمسلمين. وأيا كان فقد حفل تاريخ باكستان بالانقلابات (انقلاب أيوب خان عام 1958 وانقلاب ضياء الحق عام 1977، وأخيراً انقلاب برويز مشرف عام 1997).. تُرى ماذا ستأتي به الأيام والسنوات المقبلة في السودان، شماله وجنوبه؟!