خلدون السعيدان

منذ أن جاءت القنوات الفضائية الإخبارية وهي تتسابق على إثارة المواطن العربي بمختلف الطرق، بالصورة مرة، وبالكلام والهتافات وquot;الغوغائيةquot; مرات ومرات.

جميع الحوادث التي عصفت بالعالم العربي جاءت التغطيات الإخبارية لها منحازة وفق رؤية رئيس تحرير الأخبار في تلك القنوات فهو الذي يقرر ما يقال وما يعرض من صور مصاحبة للخبر بل حتى من يحلل ويناقش الخبر وغالباً ما تأتي تلك التغطيات بإثارة مفتعلة وغير مسئولة.

ما جرى في تونس الأيام الماضية أعطى دليلاً قاطعاً على أن القنوات الفضائية العربية وخاصة الإخبارية منها قد تكون هي من يشعل فتيل الفوضى والشقاق بين الشعوب العربية، فالعرض المتواصل لصور المظاهرات والمواجهات بين المواطنين والشرطة وبشكل مكثف زاد من احتقان الشارع التونسي وكذلك العربي.

قناة الجزيرة وهي التي يحتفل بها الزملاء الإعلاميون هذه الأيام ويصفونها بأنها أحد أسباب انتفاضة الشعب التونسي مارست من التجاوزات الإعلامية الشيء الكثير في تغطيتها لتلك الأحداث، وتحولت من مجرد قناة إعلامية هدفها بث الخبر إلى المتلقي بمصداقية ومحايدة إلى قناة أصبحت تلعب بعواطف ومشاعر الشعوب العربية المغلوب على أمرها أصلاً، وتحولت إلى quot;منبرquot; إعلامي سلبي هدفه الهدم وإثارة المشاكل وتأجيج الشعوب بشكل مباشر وصريح.

وهذا دور غير نزيه لا يجب أن تلعبه قناة إخبارية، وليست هذه هي المرة الأولى التي تمارس فيها نفس الدور، فبالأمس شقت صف الفلسطينين، وانتقلت إلى لبنان، وحاولت إثارة الفتن في الكويت، وقبلها مصر، وها هي تلعب دوراً مشبوهاً في تونس ومن يدري على من يكون الدور المقبل.

أنا أعرف أن ما أقوله قد لا يرضي الكثيرين ولكن ما أود إيضاحه أن الإعلام متى ما أصبح له دور مباشر في إثارة الفتن بين الشعوب فهو إعلام هدم لا إعلام تنوير وشفافية. وبالنسبة للجزيرة فإنها تمارس هذا الدور السلبي بوضوح من خلال تغطياتها للأحداث ذات الصلة بعلاقة الشعوب مع حكوماتها، تُحرض وتستفز دون إحساس بالمسئولية، وما يؤسف أنها تقوم بذلك مع شعوب دول أخرى، فهي تبث من قطر ومع ذلك لا تتورع عن التدخل في شئون غيرها من الشعوب.

يجب أن لا نبالغ في الفرح بأن التلفزيون أصبح له دورٌ في انتفاضة الشعوب لأن ذلك يعني بأن كل المجتمعات العربية تقريباً ستتعرض لعدم الاستقرار لمحدودية تفكير جزء كبير من الشعوب العربية وللعاطفة الكبيرة التي يملكها هؤلاء، ويجب ألا نحتفل بقناة يصدق عليها هذا القول(إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها).