التشبه بأخلاق 8 آذار

الشرق الأوسط
عبد الرحمن الراشد
سعد الحريري ليس الأول الذي يفقد حقه ظلما في رئاسة الوزراء، فالرجل يمثل أغلبية السنة في البرلمان، عشرون نائبا سنيا معه، وسبعة فقط مع منافسه نجيب ميقاتي. فقد سبق أن ظلم والده، وأقصي سياسيا، ثم قتل بعدها. وعلى نفس قاعدة قهر الغالب لصالح المغلوب أبعد قبله إياد علاوي، الزعيم الشيعي العراقي، مع أنه كسب أعلى الأصوات في انتخابات بلاده. فرضت إيران مطلبها بإقصائه من رئاسة الحكومة العراقية لأنه ليس من أتباعها، وهكذا كان.
ومع وضوح الضيم الذي ألحق بالحريري، إلا أن مظهر أتباعه لم يكن حضاريا، حيث أضحى laquo;الطرف المحترمraquo; مثل الطرف الآخر الذي نتهمه بالشوارعية. كان مظهرا شاذا أن يخرج غوغاء الشارع يهاجمون الغير، يحرقون، ويقطعون الطرق. صورة لا تليق بفريق 14 آذار الذي ميز نفسه في العالم العربي بأنه الفريق الذي يحترم الأصول، ويرفض التخويف، ويتمسك بقيم يفاخر بها، وهي بالفعل رجحت كفته في ميزان المقارنة وأكسبته التعاطف والتأييد على مستويات مختلفة. أفسدت الغوغاء، ومن كان خلفها، صورة المعسكر النقية من أن 14 آذار فريق يفرض احترامه دون أن يشهر مسدسا أو يحرق مكتبا. بشعاراته، ومواقفه، وبحقائق الأرض أسس لأخلاقيات راقية، حيث حافظ يتامى السياسيين والفريق الأعزل على صموده، وكسب الانتخابات، ومارس وظيفته. أحرج الفريق الآخر المدجج بالسلاح ولغة الشتائم وlaquo;زعرانraquo; الشوارع. لكن بعد أحداث أمس كنت واثقا من أن السيد حسن نصر الله سيخرج فرحا سعيدا معلنا للعالم: كلنا laquo;زعرانraquo; مثل بعض، وهذا ما حدث.
على مستوى أكبر، عالج الحريري خسارته لمنصب رئاسة الحكومة بروح لا تعكسه. كان متوقعا منه - عندما هزم من الطرف الآخر الذي نصب نجيب ميقاتي - أن يمد يده إلى رئيس الحكومة الجديد ليس فقط لأنه صار رئيس وزراء شرعيا للبنان، بل أيضا لأن ميقاتي منافس محترم.
أدرك أن الحريري ورفاقه قلقون من خسارة رئاسة الحكومة لأسباب تتعلق بقضايا بالغة الخطورة، مثل سلامة رجال الدولة الذين عملوا معهم، وقد يلاحقون في قضايا كيدية. ليست حالة بارانويا عند فريق الحريري بل هي مخاوف مشروعة وحقيقية سبق أن مورست ضده، فخسارة رئاسة الحكومة قد تسهل على المريبين تعطيل سير العدالة ومنع المحكمة. وهذا قدر فريق 14 آذار أنه عندما تصوت أغلبية اللبنانيين لصالحه ويتولى الحكومة، يقوم خصومه بمحاصرته وعندما يخرج تجري ملاحقته.
هنا يأتي دور رئيس الحكومة الجديد ميقاتي الذي عرف بأنه صاحب مواقف مبدئية، وسبق أن تبنى مواقف شجاعة حمى بها ظهر سعد الحريري وفريقه، وله احترام واسع. جميعنا سنطالع كيف يتعامل ميقاتي مع واجبات الدولة مع المحكمة الدولية التي صارت ملزمة قانونيا للحكومة، وسيطالع الجميع كيف تتصرف حكومة ميقاتي حيال التربص بكبار موظفي الحكومة السابقة وتهديدهم.
نحن نعتقد أن ميقاتي شخصية سياسية وطنية، لم يلطخ يديه من قبل في التوقيع على قرارات ظالمة ولن يفعل، ويدرك ميقاتي جيدا أن هدف المحكمة لم يكن وليس ثأريا بل تحقيق العدالة الذي يمنح الأمن لكل السياسيين اللبنانيين.
لبنان: هل هي quot;العاصفة الكاملةquot;؟
سعد محيو
الخليج
التطورات المتسارعة على الصعد كافة تشي بذلك، على رغم أن الأزمة السياسية لما تغادر إطارها السياسي - الدستوري . ليس بعد على الأقل .
وكما هو معروف، تعبير العاصفة الكاملة يعني في علم السياسة الآتي: ldquo;الحدث الذي تتقاطع فيه مجموعة نادرة من الظروف لمفاقمة وضع ما بشكل عنيف وقاسٍrdquo; . وهذه الظروف متوافرة الأن داخلياً وخارجياً في لبنان .
على الصعيد المحلي، الاستقطاب الطائفي بلغ أوجه، بعد أن رفض تيار 14 آذار/ مارس قبول الانقلاب السياسي الذي نفذته قوى 8 آذار/ مارس، ودفع مناصريه إلى الشارع لتثبيت قول هذا الرفض بالفعل الشعبي . ويبقى الانتظار لمعرفة ما إذا كان الرئيس المُككلف الجديد نجيب ميقاتي سيكون قادراً على الصمود في وجه هذا التصعيد الشعبي في وجهه، خاصة في مدينته طرابلس .
لكن، حتى لو صمد ميقاتي، فإن لعبة تأليف حكومة وفاق وطني أو حتى ldquo;مشاركة وطنيةrdquo; (وفق تعبير السيد حسن نصر الله) سيكون بالغ الصعوبة، بعد أن رفض ldquo;المستقبلrdquo; المشاركة فيها حتى ولو حصل على الثلث الضامن .
قد يستطيع ميقاتي (مجدداً في حال صموده) العمل على تشكيل حكومة تكنوقراط لاتتضمن الرموز ldquo;الشرسةrdquo;، وترفع شعار إنقاذ البلاد من الانهيار . لكنه حينذاك سيكون مضطراً هذه المرة إلى مواجهة حزب الله وحلفائه الذين سيطالبونه باتخاذ الموقف المطلوب حيال فك ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية . فهل يستطيع ميقاتي القيام بهذه الخطوة الكبرى وهو يخوض معركة إثبات وجود مع ldquo;طائفتهrdquo; التي أعلن هو تمسكه بها؟
قد يستطيع ميقاتي أيضاً أن يحصل على دعم من دمشق ومن بعض الأطراف في دولة عربية أخرى نافذة، لكن هذا سيثير عليه غضب الأطراف الأخرى التي تدعم الموقف المُتصلّب الراهن لقوى 14 آذار/مارس . وهذا سيضعه في مأزق آخر .
كما هو واضح، ميقاتي يواجه صعوبات جمة قبل التأليف، فكيف سيكون الحال بعده؟
وكما الأمر مع الرئيس المكلّف كذلك مع قوى 8 آذار/مارس، التي ستجد نفسها في مأزق مُماثل في حال فشل ldquo;الحل الميقاتيrdquo; في الإقلاع، إذ إن أي شخصية سنّية أخرى من بين صفوفها أو قريبة منها، لن تتمكن من توفير الأغلبية التي حققها ترشيح ميقاتي، وقد لاتتمكن أيضاً من الحصول على كل الأصوات السبعة التي قدّمها وليد جنبلاط .
أيضاً، العجز عن تشكيل حكومة لن يكون في مصلحة 8 آذار/مارس، لأنها تحتاج إليها لإعلان رفض لبنان الرسمي إضفاء الشرعية على عمل المحكمة الدولية . فهل يكون هذا التيار، حينذاك، في وارد تطبيق السيناريوهات الأمنية العديدة التي جرى الحديث عنها باستفاضة خلال الشهور القليلة الماضية، والتي تتضمن تغيير التركيبة السياسية برمتها بالقوة؟ وهل دمشق قادرة على دعم مثل هذا الخيار العنفي، من دون أن تخسر علاقاتها الثمينة الجديدة مع فرنسا وتركيا، وحتى مع الولايات المتحدة؟
أسئلة صعبة بالطبع . وهي تزداد صعوبة حين نضع في الاعتبار أن الوضع السياسي في لبنان دخل في مرحلة السيولة التي تكون مفتوحة دوماً على احتمال هبوب ldquo;العاصفة الكاملةrdquo; .
هذا عن العناصر المحلية لهذه العاصفة . ماذا الآن عن مكوناتها الإقليمية والدولية؟