عبدالله إسكندر

لن يكون كافياً في مصر إجراء تحقيق فوري في مذبحة الأحد الماضي، ولا إقرار قانون دور العبادة، إذ إن ما ظهر من شحن وتعبئة لدى كل الاطراف يُظهر ان الازمة أبعد بكثير من حادث عنف بين مواطنين والشرطة، وأعمق بكثير من حادث مرتبط بمكان عبادة لدى الأقباط. وما يزيد من حدة الأزمة هو تجاهلها واعتبارها مجرد quot;مؤامرةquot;، داخلية كانت او خارجية.

لا بل إن الحديث عن quot;مؤامرةquot; يعني ان السلطة المصرية الحالية، وإن كانت انتقالية، لم تع بعد خطورة هذه الظاهرة المتكررة السيناريو منذ عقود طويلة، وإن اختلف عدد الضحايا بين حادث وآخر.

قد يكون مفيداً لفترة وجيزة، ولتهدئة النفوس الحامية، إصدار بيان تنديد من هنا وآخر عن الوحدة الوطنية من هناك، او اجتماع لقادة روحيين يدعون الى التهدئة.

لكن كل ذلك حصل مراراً في السابق من دون ان يمنع تكرار العنف، وذلك بالضبط لأن الجميع مازال يَعتبر ان قضية الأقباط في مصر قضية أقلية دينية تُمنع من بناء دور عبادتها فحسب، وتالياً تمكن معالجتها عبر حل موضعي لهذا البناء او ذاك، علماً ان حتى هذه المسألة تتعلق بقرار من الرئيس، او من ينوب عنه، وتالياً هي مسألة سياسية تخضع لكل اعتبارات السياسة وظروفها. وتنزع عنها صفتها المواطنية والحقوقية القانونية.

وهنا يكمن جذر القضية، اذ تتحول المواطَنة الى وجهة نظر سياسية او اعتبارات سلطوية، وليس قضية مساواة تامة في الحقوق والواجبات.

واليوم، وفي الوقت الذي يتلمس النظام المصري المقبل طريقه، قد يكون حان موعد اعتبار ان الدولة المدنية وحدها تحمي الجميع. والمدنية لا تعني بياناً سياسياً، وانما هي نصوص دستورية وقانونية تطبق على الجميع.

الدولة الاستبدادية التي ثار المصريون عليها وخلعوها لم تتمكن من حل مشكلة المواطنية، لا بل قد تكون أججت -لأغراضها- نزاعاتٍ طائفية.

والتهديد quot;بالضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسهquot;... لا معنى له من دون نص قانوني يساوي بين الجميع، ومن دون تكافؤ الفرص للجميع، كما أنه لا معنى لبيانات حسن النية ما لم يوضع أساس دستوري وقانوني موحد يكفل المساواة إزاء الدولة وممارسة العبادة.

عندما يريد قبطي مثلاً، أن يطلي حائط معبده، عليه أن ينتظر إذناً مركزياً، وغالباً لا يحصل عليه، وعندما يُقْدِم على هذا الطلاء ينتهك القانون، لتنزلق المشكلة الى شجار مع مسلمين يحاولون بالقوة منع عملية الطلاء، ويقع جرحى، وأحيانا قتلى، وتأتي قوى الامن لتطبق القانون الذي انتهكه القبطي، لتصبح قضية العبادة مرتبطة بالظرف الذي يرى فيه الحاكم المستبد مصلحته.

وما ينطبق على هذا الحادث المتكرر الى ما لا نهاية في شأن دور العبادة، تمكن ملاحظته ايضاً في الحاية العامة والمدنية، فأي ترقية وظيفية او في المسؤوليات العامة، هي مِنّة ايضاً من الحاكم، مثل تلك التعيينات السابقة في مجلسي النواب والشورى.

فالأمران لا ينفصلان، المساواة واحدة على كل مستويات الحياة، ولا يضمنها الا الدستور المدني والنص القانوني.

واليوم، وفي الوقت الذي يتلمس المصريون بناء نظامهم المقبل، قد يكون حان الظرف كي يستعيدوا جميعهم مواطنيتهم وحقوقهم العامة والخاصة، بإرساء دولة ديموقراطية وتعددية في الدستور والقانون، وليكون الدستور والقانون هما الحكم في أي خلافات اهلية. ولا تعود المسألة طائفية، وانما حقوقية، واي مشكلة تجد حلها في الدستور والقانون وليس في تجدد العنف، الذي سرعان ما يتخذ صفة المواجهة الطائفية.

الدولة المدنية وحدها توفر فرصاً ليستعيد كل من المصريين اطمئنانه الى دولته وحقوقه وفرصه، وإلا ستظل تحكم علاقاتهم الريبة والشك، والعنف والعنف المضاد.