تحية لنهضة تونس ويسارها:
إسلاميون..لكن ليس في العراق


فاتح عبدالسلام

أعطت تجربة التغيير ثم التعددية والانتخابات وفوز حزب النهضة الاسلامي واقرار تحالفه مع اليسار في تونس علامة علي صحة الطريق في الاعتماد علي قرار المواطنين لتحديد خياراتهم. ولعلَّ التجربة التونسية التي يري كثيرون أنّه لولاها لما حصل التغيير في مصر ثم ليبيا، وتحرك الوضع في دول أخري علي هذا النحو السريع إنّما كانت تجربة حضارية أخطاؤها نسبية وقليلة قياساً الي طول فترة خضوعها لحكم ديكتاتوري وقصر مدة تحررها. فالريادة الديمقراطية الجديدة للعرب لتونس باستحقاق بالمعني الزمني واليوم يثبتها التونسيون بالمعني الفعلي والحضاري لبناء البلد من جديد.
ولأنَّ الإسلام كان منذ تفكيك الاتحاد السوفييتي علامة تخويف كبري يستخدمها العالم بقيادة الولايات المتحدة من جهة وبقيادة تنظيم القاعدة من جهة أخري فإنَّ علي كل حزب إسلامي أصبحت مهمة اضطرارية هي اثبات عدم تطرفه ووسطيته واعتداله واظهار كشف نياته عند كل خطوة سياسية يقوم بها، لعلهّ يكتسب بها شرعية دولية بعد أن يكون قد اكتسب الشرعية الوطنية من أبناء شعبه.
الهاجس العالمي من فوز الإسلاميين في تونس كان عالياً وكذلك هو حاله في مصر كما هو شأنه في اقترانه باليد القوية للثوّار في ليبيا وهم يحررونها، وكذلك يتم النظر الي (البعبع الاسلامي) في تحرك اوضاع دول عربية أخري، استناداً الي مخرجات شتي، واكثرها وضوحاً تستند الي فشل تجربة الحكم الديني في العراق وما أفرزته من دمار وتفسيخ لامكانات العراق وسكانه.
العالم الذي يبدي تخوّفه حيناً أو يقف مصدوماً وعاجزاً عن تغيير النتائج أزاء صعود الأحزاب الإسلامية في تلك الدول العربية، هو نفس العالم الذي لا ينوّه بفشل أول تجربة لصعود أحزاب (إسلامية) الي دفة الحكم في العراق من دون أن يعطي سبباً لتجاهله المريب. ويبدو انَّ كلَّ ما جري تحت خيمة الاحتلال الامريكي في العراق (ما بين 2003 ــ 2011) لم يعد يكترث به أحد من العالم، ولا يعتد بصدقية النظر الي ما كان هناك من تجارب طبخت علي مراجل عملية سياسية صاغها بول بريمر والمحافظون الجدد في واشنطن وأورثوا نتائجها (المسخّمة) الي أوباما الذي بات يعد الانسحاب انتصاراً، انها تجارب تحت خيمة ثماني سنوات من الاحتلال نزف العراقيون بسببها دماءً لو جري التضحية فيها في أية معركة من معارك الأمة لكانت قد جنت الأجيال نتائجها سريعاً.
شتّان بين الوصول الديمقراطي لأحزاب عربية اسلامية الي مركز القرار في عواصم حولنا وبين صعود أحزاب دينية الي الحكم بالعراق في ظروف خضوع العراق لاحتلال أمريكي ونفوذ ايراني. أحزاب الحكم العراقي تغطت بلحاف الجندي الامريكي ونامت في سريره وانجبت منه انتخابات quot;أنابيبquot; علي وفق المواصفات العالمية المرحلية المطلوبة.. وليذهب العراقيون بوطنهم النازف المهترئ الي الجحيم. وتلك النتيجة التي لم يتضمنها أي خطاب امريكي يخص الانسحاب بوصفه منجزاً.