أمل عبد العزيز الهزاني

منذ تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز وزيرا للداخلية عام 1975 وحتى اليوم حيث الاضطرابات تعم المنطقة العربية، مرت السعودية بأمواج من الأحداث السياسية والاقتصادية ترتفع وتنخفض، أثرت بشكل مباشر على وضعها الأمني الداخلي.

بداية من الحرب الأهلية اللبنانية وتداعياتها على الموقف السعودي، ثم حادثة احتلال الحرم المكي الشريف من متطرفين إسلاميين سعوديين، فدخول قوات الاتحاد السوفياتي أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي ومكوثها عشر سنوات، متزامنا مع سقوط نظام الشاه وقيام الثورة الإيرانية التي أعقبتها حرب الخليج الأولى، ثم حرب الخليج الثانية.. كل هذه الأحداث بعمقها السياسي كانت مؤثرة على الداخل السعودي بشكل مباشر أو غير مباشر، وظهر بوضوح هذا التأثير حينما أصبحت المملكة مستهدفة من الجماعات المتطرفة سواء الشيعية، كما في أحداث الشغب في موسم الحج منذ عام 1980، وقد ذكرت ذلك في مقال سابق، أو جماعات سنية نفذت عمليات إرهابية في مدن سعودية منذ منتصف التسعينات.. ثم أصبحت السعودية في عين العاصفة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) حينما ألبسها اليمين الأميركي ذنب الكارثة كون معظم منفذي العمل هم من السعوديين.

خلال الأحداث الجسام هذه ظل نايف بن عبد العزيز هو صمام الأمان في دولة مترامية الأطراف مثل المملكة، وهذه الأطراف في ذاتها نقاط ملتهبة في أحداثها وظروفها؛ العراق في الحدود الشمالية من السعودية احتله الأميركيون بعد الإطاحة بطالبان في أفغانستان، ثم قامت إسرائيل بحربيها على لبنان وغزة وما نتج عن ذلك من خلل في التوازن الإقليمي في المنطقة، وفجأة ثارت ثائرة الحوثيين في اليمن لتقوم حربا على الحدود الجنوبية للمملكة.

أن تظل السعودية آمنة داخل هذه المعمعة من عدم الاستقرار والفوضى والتدخلات الأجنبية هو أمر أشبه بالمعجزة، ومهمة وزير الداخلية النمطية التي عادة ما يمارسها المسؤول في معظم بلدان العالم لم تعد يكفيها أن يكون هذا المسؤول متابعا ومجتهدا وحازما، لأن متطلبات العمل في مثل الظروف المحيطة بالمملكة تستدعي أكثر من هذه المواصفات بكثير.

عرف عن الأمير نايف حزمه وجرأته وقوته وعلاقاته الدولية الوثيقة خاصة مع مسؤولي الشؤون الأمنية، واطلاعه على أدق الأمور وجلها في الشؤون الخارجية والداخلية. ولكن يظل في رأيي الشخصي أن أهم ما يميز شخصية الأمير نايف، وهي بلا شك ميزة قلما نراها، هي قدرته على خلق التوازن بين أطراف المعادلة المختلفين، قدرته على خلق المقاربة، وصناعة التسوية، بدقة وفهم وقراءة للشخصية وتوقع للمستقبل.. هذه الميزة جعلت من الأمير نايف قريبا من الكل، فشعر كل طرف أن وزير الداخلية إن لم يكن معه فهو ليس ضده. استطاع أن يحفظ الاستقرار الداخلي على وجه الخصوص من خلال نظرته المعتدلة للأمور على الرغم من أنه يتعامل مع أطياف فكرية مختلفة، ولكن لا أحد منهم يستطيع أن يقول إن للأمير نايف موقفا ضد طيف فكري معين أو إنه مع آخر، ما لم يمس هذا الاختلاف أمن المملكة.

حتى من ثبت أنه تورط في أعمال إرهابية من السعوديين، كان من الأسهل على المسؤول الأمني الزج بهم في السجون، ولكنه رأى أن من الأنسب بناء خط رجعة لهؤلاء، لأن المتورط قد يكون مكسبا مؤجلا لبلده، بعد أن يأخذ فرصة العدول والتوبة والندم على الخطيئة، فاحتضن الأمير نايف الشباب الخطائين في مشروع المناصحة، وقدم لهم فرصة ذهبية لأن يعودوا أسوياء، فنجح المشروع نجاحا مذهلا ليس فقط بسبب أعداد التائبين، بل نجح كأساس أخلاقي ووطني في التعامل مع الذين ضلوا طريقهم.

ولي العهد السعودي صديق للإعلام والإعلاميين، مؤمن بأهمية عملهم فيعطيهم مع الوقت، الجواب الصادق الشفاف، لذلك اشتهر بتصريحاته قليلة الكلمات غزيرة المعنى. حتى في تصريحه الصحافي الأخير بمناسبة توليه مهام ولي العهد لم تكن كلماته اعتيادية، لفتني فيها عبارتان؛ فعلى غير ما اعتاده البسطاء الذين دائما ما يقولون إن مهامهم التي توكل إليهم هي تكليف وليست تشريفا، نايف بن عبد العزيز كان صريحا ويعبر بصدق، فالمهمة الجديدة بالنسبة له تكليف وتشريف؛ فالتكليف يخص المهام التي نعرفها، ولكن أيضا منتهى الشرف أن يثق الملك بالمواطن فيمنحه ولاية العهد. والأمر الآخر أن ذكر أنه مسؤول عن أبناء الوطن؛ رجاله ونسائه، فتعزز لدي شعور بأن للنساء السعوديات نصيبا كبيرا في أجندة تفكير وتخطيط ولي العهد.