صالح القلاب


يستحق حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الفوزَ الذي حققه في الانتخابات المغربية الأخيرة وأكثر، فهو أظهر مرونةً كمرونة ldquo;سَمِيِّهrdquo; حزب العدالة والتنمية التركي، وأعلن في وقت سابق أنه حريص على المَلَكيَّة ويعتبرها ضرورة من ضرورات الاستقرار والوحدة الوطنية، وأنه ضد أن يأخذ أي حزب اسماً دينياً، وأنه مع الديمقراطية والتعددية السياسية، وأنه لا يعترض على العلمانية والدولة المدنية، وأنه ينْطلِق في التعامل مع المغاربة على أساس المواطنة، وليس على الأساس الديني أو المذهبي أو الطائفي.
ليس بالاسم فقط يتشابه هذا الحزب مع حزب العدالة والتنمية التركي، وإنما أيضاً بالشعار ldquo;اللوكوrdquo; الذي هو عبارة عن قنديل تقليدي قديم يعمل بالكيروسين (الكاز) ويرسل أشعته في كل الاتجاهات، وأيضاً بالخطاب السياسي وبتحدُّث قادته إلى الناس بأريحية وبدون توتر ولا صراخ ولا مفردات حادة، وهذا هو ما جذب الناس إليه رغم أن المملكة المغربية فيها أحزاب تاريخية عريقة من بينها حزب الاستقلال الذي أسسه المجاهد الوطني الكبير علَّال الفاسي، ومن بينها بالطبع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي قاده وهو في موقع المعارضة والحكم الرجل الذي يحظى باحترام كبير في الوطن العربي وفي العالم كله عبدالرحمن اليوسفي.
في المملكة المغربية هناك حرص شديد على ldquo;الملكيةrdquo; يصل إلى حد التقديس، ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة أن الشعارات التي رفعتها الأحزاب والقوى المغربية، ليست الهامشية وإنما الرئيسية والفاعلة، خلال هذه الانتخابات وعشيتها وقبل ذلك، لم تتضمن أي مسٍّ بالنظام الملكي، حتى ولو بالإشارة، وجميعها بقيت تُجمِع على أن هذا النظام هو هوية الدولة، وهو ضمان استقرارها ووحدة شعبها، وهو أهم قيمة من قيَمها الثقافية، ومن أعرافها وتقاليدها، وهذا ربما هو الذي دفع محمد السادس إلى الإسراع في اتخاذ الخطوات الإصلاحية التي اتخذها وجرى تنفيذها على الفور، فكانت هذه الاستجابة السلسة لما يسمى الربيع العربي.
ربما يختلف المغاربة، أحزاباً وأفراداً وجماعات ومجموعات، في بعض السياسات في بلادهم، وهم في حقيقة الأمر لهم أو لبعضهم آراء في الكثير من ممارسات هذه الحكومة والحكومات السابقة، لكن ما يجمعهم هو أنهم يعتبرون الملك محمد السادس حَكَماً وليس حاكماً، وأنهم يتعاطون مع النظام الملكي بالكثير من القدسية، وبالكثير من القناعة بأنه لا مغرب بدون ملكية، وأن هذه الملكية التي عمرها مئات السنين هي التي حافظت على كيان الدولة ووحدة الشعب، وهي التي بقيت تحافظ على مكونات هذا الشعب وبخاصة العرب والأمازيغ من خلال الثقافة الإسلامية غير المنغلقة بل المنفتحة على كل الثقافات الكونية.
ولعل ما يجب الإشارة إليه هو أن من يعي هذه الحقائق ويدرك مدى حاجة بلداننا العربية كلها إليها يجد في نفسه غصة وألماً فعلياً، وهو يرى كيف كان ردُّ ldquo;إخوانrdquo; مصر على رجب طيب أردوغان عندما دعاهم خلال زيارته الأخيرة للقاهرة إلى علمانية الدولة، حتى وإن بقوا هم غير علمانيين، وكيف أن ldquo;إخوانrdquo; الأردن ما زالوا لم يستوعبوا مستجدات هذه المرحلة وما زالوا لم يدركوا استحقاقاتها، وبقوا يصرون على تلك الشعارات التي رفعها حسن البنا في أربعينيات القرن الماضي، وبقيت تراودهم صيغة جهاز ldquo;النظامrdquo; السري، كما بقوا يتمسكون بأن يكون لحزبهم حزب جبهة العمل الإسلامي اسم ديني خلافاً لاختيار إسلاميي المغرب وإسلاميي تركيا وحتى إسلاميي مصر وتونس.
إنه من المستبعد جداً أن يثير فوز إسلاميي المغرب أياً كان سواء في الداخل أم في الخارج، طالما أن هذا هو اسم حزبهم ldquo;حزب العدالة والتنميةrdquo;، وطالما أنهم اختاروا الاعتدال والوسطية واختاروا مواكبة هذه المرحلة المستجدة وقيمها وأدبياتها ومعطياتها، على غرار ما فعله إسلاميو تركيا، وأيضاً طالما أن رئيس هذا الحزب، الذي بمجرد تحقيق الفوز الذي تحقق أعلن أن حزبه ليس دينياً وأنه استمرار لمفاهيم وأفكار علال الفاسي، يشبه أردوغان حتى في ألمعيته وحضور بديهيته.