خيرالله خيرالله

ليس مهمّا ما يقوله الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ما يبقى في الذهن ويرسخ فيه أن الحكومة التي شكلها حزبه برئاسة السيد نجيب ميقاتي موّلت المحكمة الخاصة التي أنشاها مجلس الأمن التابع للامم المتحدة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005. إنّها المحكمة التي يصفها الحزب نفسه بأنها laquo;محكمة إسرائيليةraquo; وأن لا هدف منها سوى تصفية laquo;المقاومةraquo;.
ما يرسخ في الذهن أيضا أن laquo;حزب اللهraquo; أنقذ حكومة laquo;حزب اللهraquo;. هذا كلّ ما في الأمر. فجأة، بقدرة قادر، لم تعد قيمة لما إذا كانت المحكمة laquo;إسرائيليةraquo; أم لا... ولم تعد حاجة إلى بهلوانيات من أي نوع كان للتأكد من أنه لم يكن أمام الحكومة اللبنانية سوى تمويل المحكمة بطريقة أو بأخرى.
حصل ذلك كلّه لسبب في غاية البساطة عائد إلى أن الرئيس نجيب ميقاتي ليس قادرا على الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي. كان مفترضا بمن فرضه رئيسا لمجلس الوزراء إدراك ذلك منذ البداية. إنه ليس مجرد رجل أعمال لبناني. إنه أيضا رجل أعمال عربي ودولي يمتلك مصالح متشعبة تشكّل جزءا لا يتجزأ من شبكة كبيرة معروف أين تبدأ وليس معروفا أين تنتهي. نجيب ميقاتي ينتمي باختصار شديد إلى النادي العالمي لرجال الأعمال الناجحين الذي ينبذ، أقلّه ظاهرا، الخارجين عن القانون الدولي...
الأكيد أن لدى الرجل طموحا إلى أن يكون رجل دولة معترفا به داخليا وعربيا وإقليميا وعالميا. يمكن أن يحصل ذلك بين حين وآخر. لكنّه لا يمكن، أقلّه إلى الآن، أن يكون الاعتراف به أكثر من موسمي. رجل الدولة هو رجل دولة في كلّ وقت ولا يمكن أن يكون رجل دولة حسب الفصول والمواسم... إلاّ إذا كان يعتبر نفسه رجلا لكلّ المواسم والفصول، بما في ذلك موسم أفول نجم النظام السوري بكلّ ما يمثله إقليميا!
في النهاية، إن رجل الدولة الحقيقي هو من يلتزم مواقف معينة لا يحيد عنها بما في ذلك تلك التي مكنته من أن يكون نائبا في العام 2009. إن رجلا مثل نجيب ميقاتي معروف بصدقه قبل أي شيء آخر، وربّما بكرمه أيضا، لا يستطيع أن يتنكر للعهود التي قطعها في العام 2009 حتّى لو تذرّع بأنه لبّى نداء الواجب الوطني وأنه laquo;يعمل على تفادي فتنة طائفيةraquo;. أعلن ذلك بغية تبرير الانتقال من تحالف الرابع عشر من آذار إلى أحضان laquo;حزب اللهraquo; الإيراني الذي هو في قلب ما يسمّى الثامن من آذار، التحالف الذي يشكل امتدادا للحلف الإيراني- السوري لا أكثر ولا أقلّ.
الأكيد أنه لم يكن سهلا على نجيب ميقاتي الانتقال من موقع إلى آخر بهذه السهولة، هو الذي أكّد لسعد الحريري قبل ثمان وأربعين ساعة من تغيير رأيه أنه لا يمكن أن يقبل بأن يكون رئيسا لمجلس الوزراء في لبنان من دون مباركته. فعل ذلك بعدما وضع يده على ركبة سعد الحريري في laquo;بيت الوسطraquo; وبعدما طلب منه النظر إلى عينيه. ربّما كان على سعد الحريري النظر إلى مكان آخر. إلى المكان الذي يتحكم بقرار نجيب ميقاتي ويحكمه! ربّما حالت طيبة القلب التي يمتع بها سعد الدين رفيق الحريري دون تطلعه إلى المكان الآخر الذي كان مفترضا به التطلع إليه أمس واليوم وغدا وبعد غد...
المهمّ الآن أن في الإمكان القول بكلّ راحة ضمير ان لدى النظام السوري قرارا واضحا يتمثّل في الإبقاء على الحكومة اللبنانية الحالية. لا غنى للنظام السوري المدعوم من إيران عن هذه الحكومة. لذلك تراجع laquo;حزب اللهraquo; الإيراني عن كل مواقفه من المحكمة التي موّلها الشعب اللبناني، ولا أحد غير الشعب اللبناني المتمسك بثقافة الحياة أولا. استدار laquo;حزب اللهraquo; على نفسه وبلع كلّ الكلام الذي صدر عنه في شأن كلّ ما يخص تمويل laquo;المحكمة الإسرائيليةraquo;. كلّ كلام آخر عن رفضه المحكمة الدولية صار كلاما بكلام.
أمّا النائب المسيحي ميشال عون، الذي دعا غير مرّة نجيب ميقاتي إلى تمويل المحكمة من جيبه الخاص، فقد أثبت أنه لا يعرف شيئا عن نجيب ميقاتي، لا عن ذكائه، وهو ذكاء من نوع خاص، ولا عن طريقة تعاطيه مع الآخرين عندما يتعلّق الأمر بالمال. اضطر عون بدوره إلى بلع لسانه وتغيّير لونه. مثل هذا التغيير في اللون أمر أكثر من عادي بالنسبة إلى تلك النكتة السمجة التي اسمها laquo;الجنرالraquo;.
أثبت ميشال عون مرّة أخرى أنّه لا يصلح لأن يكون سوى أداة عند الأدوات. كلّ ما عدا ذلك كلام لا معنى له عن قائد سابق للجيش اللبناني يستطيع تبرير اغتيال ميليشيا مسلحة تابعة لحزب مذهبي لطيار في الجيش اللبناني اسمه سامر حنا. هل يستطيع ميشال عون والحثالات التابعة له توجيه اتهام آخر لسامر حنا غير أنه ضابط لبناني حلّق بطائرة هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني فوق الأراضي اللبنانية؟
من حسنات الرئيس نجيب ميقاتي أنّه كشف laquo;حزب اللهraquo; وأداته المسيحية. لم يكشف المستور. كشف للبنانيين ما يعرفه كثيرون عن أن قرار laquo;حزب اللهraquo; إيراني قبل أي شيء آخر، وأن ميشال عون ليس سوى تابع من توابع الحزب لا أكثر. كان نجيب ميقاتي صادقا مع نفسه هذه المرّة. كان يعرف حدوده تماما. كان يعرف أن في استطاعته الإعلان عن تمويل المحكمة من جيب المواطن اللبناني نظرا إلى أن النظام السوري ليس في وضع يسمح له بالاستغناء عن حكومته. ليته أدرك اهميته كرئيس لمجلس الوزراء، من زاوية موقعه السنّي، لدى تكليفه تشكيل الحكومة... وليس في هذه الأيام البائسة.
ولكن من قال ان نجيب ميقاتي لا يحسن المناورة وتحيّن الفرص، بما في ذلك فرصة التوهم أن أهل السنّة، في طرابلس خصوصا ولبنان عموما، ومعهم الأكثرية المسيحية والدرزية وقسم لا بأس به من الشيعة المتمسّكين بثقافة الحياة سيصدقون أنه صار مع المطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال... والعدالة. نعم العدالة.
إنّها العدالة التي ستأتي بقتلة رفيق الحريري، وباسل فليحان، ورفاقهما، وسمير قصير، وجورج حاوي، وجبران تويني، ووليد عيدو، وبيار امين الجميّل، وانطوان غانم، ووسام عيد، وفرنسوا الحاج، وعشرات آخرين، بما في ذلك الشهداء الأحياء مروان حمادة، والياس المرّ، ومي شدياق، إلى أمام المحكمة.
من قال أيضا ان نجيب ميقاتي لن يكون عند حسن ظن اللبنانيين الذين يرون فيه رجل أعمال ناجحا يطمح إلى أن يكون رجل دولة حقيقيا لا يرتبط اسمه بالمواسم أو بهذا المحور الإقليمي أو ذاك. قد ينجح في ذلك يوما ولكن ليس عبر حكومته الحالية... حكومة laquo;حزب اللهraquo;. إنها حكومة تشبه كلّ شيء باستثناء نجيب ميقاتي وما يفترض أن يمثله على الصعيد السنّي واللبناني والعربي...