الياس حرفوش


إذا كانت إدارة باراك أوباما ترمي من وراء مواقفها المتأرجحة حيال الانتفاضة المصرية الى كسب ود المتظاهرين في ميدان التحرير والمصفقين لهم في الشوارع العربية وعلى شاشات الفضائيات، فإنها فشلت في تحقيق هذا الهدف بلا منازع. شباب مصر المتظاهرون هم من المؤمنين حقاً بقضية الديموقراطية، والمطالبين بقطع الطريق على الفساد والحكم السيء في بلدهم، لكن الأكيد أن المصفقين لهم وخطباء الفضائيات laquo;الثوريةraquo; لا يعيرون بالاً لشعارات الدفاع عن الديموقراطية والحريات، التي تقول إدارة أوباما أنها الشعارات التي تسيّر قراراتها ونصائحها الإصلاحية للحكومة المصرية. فآخر هموم هؤلاء هو الحفاظ على الديموقراطية والحريات، لأنها ستكون أول ضحايا حكمهم في مصر وغيرها، لو أتيح لهم الوصول الى الحكم في هذه البلدان. وأكبر دليل على ذلك هو ما يفعله هؤلاء حيث يحكمون اليوم. وقد يكون مفيداً أن تأخذ إدارة أوباما درساً من الطريقة التي تُحكم بها الدول التي تدافع أنظمتها عن الانتفاضة في مصر، أو الطريقة التي يصل بها حلفاء هذه الأنظمة الى الحكم في العالم العربي، عن طريق الانقلاب على نتائج العمليات الديموقراطية والاستخفاف بها، وهو ما حصل مع تشكيل الحكومة العراقية، وما شهدناه مؤخراً من خلال الانقلاب الذي وصف بـ laquo;الدستوريraquo; على الحكومة اللبنانية، والذي تم من خلال الاستقواء على الدولة وأحزابها ومؤسساتها. من المهم أن تقف إدارة أوباما أمام كل ذلك لتستفيد منه في رسم سياسة أكثر حكمة حيال الأزمة المصرية الحالية.

من السذاجة أن تعتبر الإدارة الأميركية أن موقفها الإيجابي من الانتفاضة القائمة في مصر سيسهم في تلميع صورتها في العالم العربي. ذلك أن المراقبين لما يجري في مصر لا يفصلون نتائجه عن المواجهة القائمة في المنطقة. فإذا كان صحيحاً أن البعد الداخلي لا يزال هو الطاغي الى الآن على الانتفاضة المصرية، فان الصحيح أيضاً أن استثمار التغيير الذي سوف يحصل في قيادة الحكم سيبقى متوقفاً على النتائج التي ستسفر عنها المواجهة القائمة في مصر بين أجهزة الحكم والمعارضين، وهي نتائج لا تزال بالغة الغموض في هذه المرحلة.

من السذاجة أيضاً أن تتعامل الإدارة الأميركية مع انتفاضة الشباب في مصر مثلما تعاملت إدارة جورج بوش الأب مع الانتفاضات التي انقضّت على الأنظمة الدكتاتورية والشيوعية في أوروبا الشرقية في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي. بمعنى أن تعتبر أن ما يجري في مصر هو مقدمة لنشوء الحالة الديموقراطية المؤمّلة في المنطقة العربية. فلا البديل الديموقراطي جاهز لتسلم الحكم في بلدان هذه المنطقة، مع وجود البدائل ذات الصفة التوتاليتارية بطابعها الديني، أو الصفة المدنية بلباس عسكري، كما يبدو اتجاه الأمور في مصر، ولا الثقافة الديموقراطية هي الثقافة التي احتضنت دول أوروبا الشرقية.

الى ذلك هناك قدر كبير من الاستخفاف بذكاء وذاكرة الشارع العربي عندما تتصدى إدارة أوباما، بانتقائية مفرطة في الكذب، للدفاع عن حقوق الإنسان في دول عربية، في الوقت الذي تحمي فيه الانتهاكات المفرطة لهذه الحقوق ضد الشعب الفلسطيني، وتعلن عجزها عن حماية متطلبات الشرعية الدولية، وما تفرضه من التزامات على القوة الإسرائيلية التي تحتل الأراضي الفلسطينية. الاستخفاف بالذكاء العربي يصل أيضاً الى عدم ممانعة إدارة أوباما في المحافظة على laquo;حوارها النوويraquo; مع النظام الإيراني، على رغم مآثره المعروفة في قمع معارضيه، منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة الى اليوم، ومحاولتها استمالة أنظمة أخرى عن طريق إعادة السفراء الى عواصمها، مع أن هذه الأنظمة غير معروفة باحترام مبادئ الحريات والحقوق الإنسانية.

هذه الازدواجية في سياسة الإدارة الأميركية تثير أسئلة كثيرة حول دوافعها وراء الموقف الذي يزعم حماية انتفاضة الشباب المصري. فشباب مصر لم يكن بحاجة الى دعم واشنطن. بل على العكس يسعى قادته الى التبرؤ من مثل هذا الدعم، لأنهم يعتبرونه عبئاً سياسياً عليهم، لا هدف منه سوى محاولة تبييض صفحة أميركا في الشارع العربي. لكن كل ما يفعله دعم كهذا هو أنه يكشف سياسة إدارة أوباما التي تتراوح بين السذاجة والمراوغة، ويدفع أصدقاء أميركا في المنطقة الى الحذر حيال أهدافها وسياساتها.