داود الشريان


قبل بضع سنوات طُرح نقاش عن انحسار قوة مصر الناعمة. بعضهم ربط ضعف التأثير المصري في الفن والأدب والثقافة بتراجع الدور السياسي لمصر، وآخر اعتبر أن تراجع هذا الدور جاء نتيجة لتراجع بقية الأدوار. لكن الحقيقة أن القوة الناعمة لا علاقة لها بالدور السياسي، او القوة العسكرية، بدليل أن دولة الكويت لعبت دوراً تنويرياً مهماً في غير مجال، منذ نهاية ستينات القرن العشرين حتى بداية التسعينات. للقضية علاقة بمناخ الحرية، والقوة الناعمة في مصر ضعفت لأن مناخ الحرية فيها لم يعد يحتمل دورها.

خلال العقود الأربعة الماضية، ارتفعت أصوات في العالم العربي تنادي بتجاوز الدور المصري، باعتبار ان مصر لم تعد قادرة على فعل التأثير، وسمعنا من يتحدث عن تراجع فنون الدراما والرواية والشعر والفن التشكيلي في مصر، وكثر الكلام على دور سعودي وسوري وخليجي في غير مجال من مجالات الفن والثقافة والأدب، لكن هذا التفوق المحدود ظل عاجزاً عن صنع تأثير في محيطه العربي، كما فعلت مصر على مدى عشرات العقود.

لا شك في ان هذا الجدل سيتوارى، أو يصحح. مصر التي بُعِثت من laquo;ميدان التحريرraquo; تلوّح بآفاق ثقافية وفنية رحبة، وستعاود تشكيل المشهد الثقافي في العالم العربي، وتسترجع حيويتها التي عاشتها الحياة الثقافية في مصر منذ ثلاثينات القرن العشرين وحتى نهاية الثمانينات. وربما شكلت مصر تحدياً حقيقياً لبقية الساحات الثقافية والفنية في البلاد العربية. فحال الثقافة والفن في غير بلد عربي كانت تُقارن بإنتاج مصري ضعيف. اليوم ستختلف قواعد المقارنة. نحن أمام انبعاث مصري ثقافي، وهو تحدٍّ إيجابي يجب ان يأخذه بقية العرب بجدية، ويستثمروه لمصلحتهم.

الأكيد ان ما جرى في مصر سينعكس ايجاباً على العالم العربي. فغياب مصر عن دورها الثقافي والفني، على مدى أربعة عقود، خلق فراغاً كبيراً، فضلاً عن أن بعض النجوم الجدد انشغل بالتذكير بانتهاء ذاك الدور، لكنه في المقابل لم يؤدِّ دوراً مشابهاً.

اليوم نحن أمام مرحلة جديدة. وإذا استقرت الأوضاع في مصر، فإن دورها الناعم سيعود الى سابق مجده، ناهيك عن أن صناعة الإعلام ستشهد طفرة تُعتبر سابقة في المنطقة. ولكن، يبقى ان يتخلى المصريون عن حساسيتهم إزاء دخول رأس المال العربي والأجنبي الى هذه الصناعة، وإذا فعلوا فإن خريطة الإعلام في العالم العربي ستتغير.