سعد بن طفلة العجمي

للبحرين مكانة خاصة بقلوب أهل الخليج. استقرارها وازدهارها وتعايش طوائفها يعتبر quot;ترمومترquot; مسائل كثيرة في منطقة الخليج. التعايش الطائفي البحريني كان مثلاً يشار إليه بالبنان، والطيبة البحرينية نادرة والشخصية البحرينية مسالمة وكريمة.

لقد هزنا جميعاً الصدام الدامي الذي جرى قبل أيام بين المتظاهرين وقوات الأمن والجيش وأسفر عن وقوع ضحايا بين المتظاهرين، وهو أمر غير مألوف وغير مبرر خليجيّاً، وأدانته المنظمات الإنسانية في العالم.

قادت الأحداث إلى مراجعة حكيمة من قبل القيادة البحرينية، واتخذت خطوات توفيقية تنشد التهدئة، فسحبت الجيش من الشوارع وأعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة عفواً عن المعتقلين السياسيين وأطلق سراح من شاركوا في المظاهرات واعتقلوا بتهمة الإخلال بالنظام العام، بل حتى من اتهموا بمحاولة انقلابية على النظام في البلاد تم إطلاق سراحهم.

كما خرج ولي عهد البحرين الشاب الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في تصريحات ومقابلات تلفزيونية يدعو إلى التهدئة، وينادي بوقف كافة أشكال الإخلال بالأمن وعدم التعرض للمتظاهرين، والأهم أن الشيخ سلمان صرح بأن مطالب مشروعة طرحها المتظاهرون، مقرّاً بكل شجاعة بوجود أخطاء في السياسات الحكومية قادت إلى انفجار الوضع. والأهم أن الشيخ سلمان دعا إلى حوار مع كافة الأطراف السياسية والنشطة في مجالات الشأن العام البحريني، وهي دعوة لم تستثنِ أحداً، ولم ترفض طرح أي موضوع على طاولة النقاش. وهي دعوة محمودة ومنطقية لأي حراك سياسي، فقد أوصل المتظاهرون رسالتهم، ورفعوا مطالبهم، واستجابت الحكومة بالإصغاء لها معترفة بأحقية المطالب واستعدادها لتلبيتها.

لكن بعض المحتجين من جماعة (حق) وجماعة (الوفاء) رفضوا الحوار، واحتلوا دوار اللؤلؤة وسط العاصمة البحرينية المنامة، ورفضوا مغادرته، بينما وافقت القوى السياسية الأكبر تأثيراً - وبينها الوفاق ذات الكتلة البرلمانية الشيعية الأكبر و(وعد) المدنية- وافقت على الحوار، فانقسم المحتجون بين من سموهم أهل الحوار وجماعة الدوار -نسبة إلى دوار اللؤلؤة الذين رفضوا مغادرته.

بديل الحوار هو غيابه، وغياب الحوار يعني عدم التفاهم، وعدم التفاهم يقود إلى الصراع، والصراع قاد إلى الصدام الدموي قبل أيام، ومملكة البحرين والمنطقة عموماً لا تنقصها صدامات دامية، ومطالب أصحاب الدوار تسبب الدُّوار (الصداع)، فما هو المطلوب؟ التطرف وتعالي صيحات تغيير النظام هو دعوة إلى الفوضى، بل دعوة إلى الاقتتال الطائفي، وهذا ما تتمناه وتحلم به إسرائيل، وعبث شعار سقوط النظام بالبحرين لا يطرح بديلاً كونه لا يمتلك بديلاً عن النظام القائم، والبحرينيون ليسوا على استعداد للخضوع لتجارب دينية وطائفية متطرفة، وغالبيتهم الساحقة تؤيد بقاء النظام وعلى استعداد لدفع الدماء لاستمراره، وحتى من يعارض النظام اليوم، إنما يعترض على سياسات وتوجهات وأخطاء حكومية، وينشدون تغييرات في سياسات الحكومة، لكنهم يجمعون على أن يتم ذلك من خلال الملكية الدستورية التي تتمتع بها البحرين، والتي يجمع أهل الحوار - بمن فيهم الشيخ سلمان صاحب دعوة الحوار- على أنها بحاجة إلى تغييرات دستورية.

قال لي صديق بحريني متابع ومعارض للحكومة بالبحرين: quot;الجو الآن منقسم بين أهل الحوار - وهم الغالبية العظمى- وأهل الدوارquot;، وأضاف: quot;الفريق الأول حدد مطالبه وبدأ بالحوار الفعلي لتحقيقها، بينما يراوح الفريق الثاني ويتلاشى يوماً بعد يوم لغياب أجندة مطالب واضحة وواقعية ومعقولةquot;.

لا بديل للبحرين عن نظامها الملكي، ولا بديل لقواها السياسية من الحوار مع نظامها الذي يضمن استقرارها، ولن يخدم الشحن الطائفي - من هذا الطرف أو ذاك- أيّاً من الفريقين، والحوار هو السبيل الوحيد للخروج من أزمة أثق بأن البحرين ستجتازها بامتياز... بالحوار.