زهير فهد الحارثي


ما يحدث في البحرين في الفترة الراهنة، ورغم وجاهة بعض المطالب، هو أمر مقلق لاسيما لدول الخليج، فالقضية لم تعد شأنا داخليا. والسؤال المطروح: هل هي فعلا مطالب وحقوق مشروعة كما تبدو في الظاهر أم أن المسألة اكبر وأعمق من ذلك بكثير؟

حدوث الثورتين التونسية والمصرية في تقديري لم يكن ليتحقق لولا عامل أساسي تمثل في انسداد الأفق في ما يتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي. هذا الانسداد جاء عبر تراكم سنين من التسويف والتعطيل والتأجيل. ولعل مقاربة هذا الوضع في الدولتين بما يحدث حاليا في البحرين، هو أمر غير دقيق ولا يستقيم وفيه إجحاف نظرا لاختلاف الأسباب الموضوعية في كلتا الحالتين.

على أن المقام هنا ليس دفاعا عن البحرين والشرعية بقدر ما هو قراءة موضوعية لأسباب ما حدث ولما يجري، فالبحرين شهدت انفراجا سياسيا مهولا وذلك قبل عشر سنوات عندما بادر العاهل البحريني إلى اتخاذ خطوات إصلاحية أسست لمرحلة جديدة في تاريخ البحرين. ومن يقرأ ميثاق العمل الوطني الذي أُقر في استفتاء شعبي عام 2001، يلحظ الأسس الديمقراطية من فصل للسلطات، وبناء دولة القانون والمؤسسات، وترسيخ عوامل المواطنة، وتعزيز المشاركة وضمان الحقوق والحريات الأساسية للجميع على قدم المساواة. أما دستور مملكة البحرين المعدل فأكد على أصالة الشعب، وعلى المشاركة والطابع الديمقراطي للنظام السياسي. كما قدمت (رؤية البحرين الاقتصادية 2030) المبادئ الأساسية للإصلاح الاقتصادي والتي تشمل: الاستدامة والتنافسية والعدالة. ولذا ما طُرح سابقا يمثل في نظري الأسس والمبادئ للدولة العصرية الحديثة.

رب قائل يقول بأن هناك فارقاً بين التنظير والتطبيق ، وهذا صحيح إلى حد كبير ،إلا أن المراقب المحايد يلمس أن الممارسة السياسية البحرينية استطاعت إلى حد معقول ترجمة الكثير من تلك الأسس على الأرض وهذا بشهادة عدد من رموز المعارضة ، إلا انه من المأمول أن تستمر في تنفيذ كل برامجها ووعودها.

على أن الاحتجاجات ليست ظاهرة جديدة في المشهد البحريني، وإن كان يؤثر فيها عاملان مهمان، أولهما الشعار المذهبي الذي يظهر عادة في التأزم السياسي ، وثانيهما التدخل الإيراني المؤثر عبر الايديولوجيا والعناصر الموالية والمؤيدة له. كما أن هناك من يرى أن البحرين تعاني من أزمة هويّة حادّة بسبب حجم العمالة وبالتنوع المذهبي والعرقي الذي يتأثر بالتوترات المذهبية المرتبطة بالظروف السياسية الخارجية، ما يعني الاستمرار في الإصلاح السياسي لأنه الكفيل بإزالة المخاطر والمعوقات من اجل بناء هويّة وطنية محليّة.

على انه عندما يُطرح الإصلاح كمشروع ، يتبادر إلى الذهن أيهما له الأولوية الإصلاح السياسي أم الاقتصادي، ومن يسبق من ؟ هل نبدأ بالسياسي أم الاقتصادي؟ أم أنهما متلازمان؟

في التجربتين التونسية والمصرية فشل المشروع الإصلاحي لتباطئه من جهة. ولعدم تلازمه من جهة أخرى، ما أدى إلى ظهور احتقانات جاءت على هيئة مظاهرات واصطدامات ومطالبات ، وهو ما يؤكد حقيقة المأزق الذي واجهته تلك الدول بسبب فشلها في الشروع بالإصلاحات (على عكس البحرين) بدءاً بالتنمية الاجتماعية العادلة، وترسيخ ممارسة ديمقراطية حقيقية تنهض على إطلاق الحريات والتعددية وحماية حقوق الإنسان.

في حين أن الحالة البحرينية تزامن فيها المسار الإصلاحي ، فجاء الإصلاح السياسي بالتوازي مع الإصلاح الاقتصادي. ولعل كلمة السر في نجاح التجارب التنموية في العالم تؤكد على أهمية تلازمهما على اعتبار أن النمو الاقتصادي والبناء السياسي المؤسسي يقودان إلى رفاه اجتماعي واستقرار سياسي مدعوم من الطبقة المتوسطة.

على أن ما يحدث في البحرين يثير الكثير من الاستغراب لا سيما المضي في اتجاه التصعيد والتأزيم من قبل جمعية الوفاق ، ذات الكتلة الشيعية الأكبر حضورا وتمثيلا في الساحة السياسية ومجلس النواب ، فعندما ترفض (الوفاق) الحوار وتضع شروطا شبه تعجيزية قبل القبول بالمشاركة فيه ، فإنها بذلك تضع البلاد على حافة الهاوية، وتزيد من فرص التدخل الخارجي في الشأن الداخلي البحريني. طبعا من حق الشعوب أن تكون لها مطالب وتسعى لتحقيقها من خلال القنوات الدستورية المشروعة، فضلا عن مشروعية التظاهر السلمي، إلا أن ما يحدث الآن هو صورة من صور خلق الفوضى والابتزاز بدليل رفض الحوار.

وإن كان الجميع ضد استخدام العنف مع المتظاهرين، ويتفق على ضرورة الإصلاح، وأن يتسع صدر الحكومات لمطالب شعوبها ، فان هذا هو ما اتضح من استجابة الحكومة البحرينية وتعاطيها الايجابي مع الأزمة ومطالبتها للتهدئة. فقد فُتح باب الحوار الوطني مع كافة التيارات والأطياف وكُلف ولي العهد بذلك، وتم سحب الجيش من مواقع رئيسية، وتسليم الشرطة مسؤولية حفظ النظام. والمؤمل أن تقبل المعارضة به. لأن رفض الحوار والاستقواء بالخارج ورفع سقف المطالب بالإضراب والمسيرات الاحتجاجية ، وفي هذا الوقت تحديدا ومحاولة استنساخ التجربتين التونسية والمصرية رغم التباين معهما هو أمر غير مقبول ويثير الكثير من التساؤلات. هذا التعاطي بالتأكيد لا يعكس إحساسا وطنيا بضرورة التكاتف والتفاهم من اجل حماية البلد.

ولذلك كانت رسالة مهمة تلك التي جاءت من قبل المجلس الوزاري لدول الخليج في المنامة، ولها دلالات بالغة الأهمية في الوقوف مع الشرعية؛ حيث أكدت على دعم البحرين سياسياً واقتصادياً وأمنياً ودفاعياً، وشددت على quot;اعتبار أمن واستقرار دول المجلس كلّ لا يتجزأ، التزاماً بالعهود والاتفاقيات الأمنية والدفاعية المشتركةquot;، مؤكدة عدم قبولها quot;تدخل أي طرف خارجي في شؤون البحرينquot;.

فما يحدث في البحرين في الفترة الراهنة، ورغم وجاهة بعض المطالب، هو أمر مقلق لاسيما لدول الخليج، فالقضية لم تعد شأنا داخليا. والسؤال المطروح: هل هي فعلا مطالب وحقوق مشروعة كما تبدو في الظاهر أم أن المسألة اكبر وأعمق من ذلك بكثير ، لاسيما في ظل واقع جديد تريد أن تستغله قوى إقليمية في المنطقة؟

قد لا نملك إجابة قاطعة ، ولكن ما نستطيع أن نؤكده يتمثل في أن الخطر القادم والتحدي لدول المجلس يكمنان في التمدد الإيراني الذي يرى في أن التدخل في شؤون الغير يحقق له الهيمنة والسيطرة، فتدخل إيران يكون عادة عبر دعم العناصر والحركات ماديا وعسكريا وإعلاميا، بدليل أن تصريحاتها لا تساهم في خلق مناخ إيجابي، ولا تخدم استقرار دول المنطقة.

صفوة القول، إن الارتهان إلى لغة العقل والحكمة في هذا الوقت ، يقتضي الاستشعار بخطورة الوضع أولا، وأهمية الانفتاح والتواصل بين الجميع حكومة ومعارضة وشعبا، فالحوار لم يعد ترفا بل ضرورة حتمية على قاعدة تغليب مصلحة الوطن على المصالح الفئوية والمذهبية والحزبية..

حمى الله أيقونة الخليج البحرين..