محمد مصطفى علوش


هل يمكن أن يحصل في لبنان ما حصل في تونس ومصر؟ سؤال راودني كما يراود الكثير من اللبنانيين؟ وقبل الإجابة عن السؤال الآنف الذكر، من المفيد معرفة ما إذا كان لبنان يحتاج إلى تغيير من هذا النوع وهو البلد الوحيد الذي لا يوجد فيه حزب حاكم ولا ديكتاتور حاكم!
العارفون بلبنان يقولون، لقد عاش لبنان حراكاً سياسياً ضخماً في العام 2005، عرف بـ quot;ثورة الأرزquot;، ثورة هدفها كان القضاء على الوجود السوري الذي حكم لبنان ثلاثة عقود داعية لإنهاء سياسة الاغتيال في لبنان، لكن الحقيقة أن تلك الثورة لم تكن أصيلة أي صناعة محلية بقدر ما كانت متناغمة أو تستجيب لجهات خارجية إقليمية ودولية تريد الاقتصاص من سوريا وحزب الله. ولهذا لم تنجح تلك الثورة إذ ما لبثت أن وُئدت بعد أقل من سنتين لأنها كانت تتعدى الإصلاح الجذري في لبنان إلى محاولة توظيفها للقضاء على النظام القائم في سوريا عبر لبنان وسحب سلاح حزب الله دون أن تكون هناك ضمانات تحمي لبنان من إسرائيل.. وهناك عامل أساس في انفراط تلك الثورة هو أن طائفة كاملة غابت عنها وهي الطائفة الشيعية.
وبالعودة للسؤال المطروح فإن لبنان طالما ما عُرف بأنه بلد من أفضل الدول العربية على صعيد الحريات العامة وتداول السلطة. وربما هو البلد الوحيد الذي تجد فيه عدد من رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء السابقين على قيد الحياة خلافاً للقاعدة السائدة في العالم العربي بأن الرئيس لا يفصله عن البقاء في الرئاسة سوى الموت أو الانقلاب.
وهو منذ تأسيسه في العام 1920 بعد أن أعلن قائد القوات الفرنسية في لبنان الجنرال غورو إعلان دولة لبنان الكبير وإلى يومنا هذا عُرف عنه بأنه بلد الانفتاح والثقافة والحرية التي كان يحسد عليها في محيطه العربي.
ولعل أقصى ما كانت تحلم به بعض الشعوب العربية هو أن تصل إلى الحالة اللبنانية. لكن ما حصل في تونس ومصر قلب المعادلة رأسا على عقب. وأكاد أقول جازماً إن غالبية الدول العربية باتت مرشحة أن تكون دول ديمقراطية ناسخة النموذجين التونسي والمصري في صيرورتها نحو الحرية والديمقراطية إلا لبنان ولبنان فقط، فما يختلف فيه لبنان عن غيره من الدول العربية إنه بلد لا توجد فيه أغلبية مذهبية كاسحة ولا حتى مرجحة وإن أي تغيير فيه لصالح تحريره من قيوده سيلبس لبوس الطائفية والمذهبية التي يعتبر لبنان نموذجا مناسبا جدا لدراسة التفاعلات المذهبية والطائفية والعرقية لأي دارس حول تفاعل المجتمعات الشرق أوسطية...
قاصمة القواصم في لبنان هو أنه بلد طائفي ومذهبي وأن الولاء لم يكن فيه يوماً للدولة بقدر ما كان الولاء للطائفة التي اختُزلت في بيت سياسي واحد أو عدة بيوتات داخل الطائفة الواحدة. وهذا ينسحب على جميع الطوائف اللبنانية التي شكلت المشهد السياسي اللبناني منذ تأسيس البلد وحتى اليوم..
والمعضلة التي يعانيها لبنان اليوم هو أن شعبه أقل ولاء للدولة أو النظام أيا كان شكل هذا النظام، فاسدا أو مستبداً، جمهورياً أو ملكياً.. لا فرق، فالولاء كان ولا يزال للبنان الطائفي المذهبي. ومن هنا كان بعض السياسيين اللبنانيين يطلقون على لبنان دولة المزارع...
لقد كرّس السّاسة اللبنانيون الذين هم زعماء طوائف قبل أن يكونوا زعماء بلد النزعة المذهبية والطائفية بين اللبنانيين، بعد أن كان للطائفية الفضل الأكبر في تنصيبهم قادة. وفوق ذلك فقد عملوا على تكريس الفصل المذهبي والطائفي داخل طوائفهم لإبقاء المعادلة التي أنتجتهم وأوصلتهم وحمتهم من أي ملاحقة قانونية وأخلاقية لما اقترفتهم أيديهم تاريخيا بحق لبنان وشعبه. بل كان للخطاب الفئوي الدور البارز في الحد من المنافسة لهؤلاء داخل الطائفة نفسها، الأمر الذي يضمن لهم ولذراريهم من بعدهم الحكم. فهم يورّثون الحكم والنفوذ كما يورث القادة العرب أبناءهم من بعدهم. لا فرق، الرؤية واحدة والمخطط واحد والمسلك واحد ولكن يختلف المجال.
في دولنا العربية الحاكم حاكم لكل البلد ومستبد بكل البلد ويورث ولده كلّ البلد، أما في لبنان فإن الزعيم هو طائفي ويملك الطائفة ويستبد بها ويورثه لولده من بعده وهكذا دواليك. فهل يمكن بعد ذلك الحديث عن أمل في لبنان على غرار ما تعيشه الشعوب العربية من حراك؟ ربما الأمل قائم.. لكنه ضعيف.. ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً!.