أحمد جمعة

بعد مخاض عسير وأيام صعبة مرت على الجميع، بعد رعب وفزع ملأ النفوس وخاصة الأطفال والعائلات والشيوخ والنساء البسطاء، بعد شكوك وتذبذب وارتباكات رافقت المرحلة السابقة ولدت البحرين مرة اخرى من بؤرة الصعاب ومن داخل الشكوك التي رافقت البعض وحالت دون رؤية الصورة المكبرة التي كانت موجودة، غير ان البعض لم ير تلك الصورة أو ان رآها من خلال الحالة النفسية التي كانت سائدة حينذاك الى ان استقرت اخيراً على ما كان يجب ان تستقر عليه لتبدأ مرحلة البحث عن الهدوء والسكون والتأمل والخروج بحكمة مما جرى لنؤسس البحرين الجديدة والحديثة التي نريدها جميعاً، ولكن بشرط أن نحاسب أنفسنا ونفهم ما حدث ونعترف بما كان خيالاً وبما كان واقعاً، لا يجب ان نفرط في الأحلام ولا في نفس الوقت لا نحلم. هناك ما يسمى بمعادلة التوازن وهي التي على أساسها نشأ العالم وحفظ توازنه.
لنلقي ومن هذه الساعة التاريخية التي وصلنا اليها نظرة متفائلة، نظرة حقيقية للأمور من دون ان تكون الحسابات لدى الجميع على أساس خاسر ورابح.. ولا على طريقة الهزيمة والنصر، اننا اليوم أمام لحظة تحتم علينا البدء من النقطة التي تؤسس للبحرين الواحدة والبحرين المتكاتفة والبحرين التي ليس فيها خاسر ورابح ولا منتصر ومهزوم بل البحرين التي تجتمع عليها القلوب وتهفو لها المشاعر الواحدة التي تحتضن هذا الشعب لبدء مرحلة جديدة من البناء والتحديث من دون الالتفات الى الخلف ولا الى الأحداث المؤسفة التي وقعت والتي يجب ان تعيد لنا الوعي والايمان بهذا الشعب العظيم الذي ولد من قلب الأحداث الدامية قوياً شجاعاً يمكنه تعويض كل ما خسرناه وأكثر، فأمامنا الفرصة اليوم تاريخية قادرين من خلالها اللحاق بسابق العصر وتحقيق المنجزات والمكاسب من خلال بناء الاقتصاد القوي وبناء القاعدة الراسخة للدولة العصرية شريطة ان نتجنب الأخطاء والمزايدات والشعارات التي أوصلتنا الى ما حدث.. والبحث عن إرادة قوية مثلما كانت إرادة الآباء والأجداد الذين بنوا هذا الوطن منذ أزمان سحيقة ليبقى شامخاً لولا السياسات والمزايدات والتدخلات الأجنبية والتأثيرات الاقليمية التي ما فتئت تلوح عناصرها في الأفق منتظرة الفرصة لشرخ هذا الوطن وشعبه ووجوده ومكوناته التاريخية.
يجب ان ننسى ما حدث ولكن بعد مراجعة جادة وحكيمة.. لنكون قادرين على تجاوز التداعيات، ويجب ألا ننسى ما حدث ليكون عبرة لنا ودرساً لنا حتى لا ننشق على بعضنا البعض ولا تصل خلافاتنا الى حد الاقتتال والتفرق، يجب ان ننسى لكي نبني ويجب ألا ننسى لكي لا تؤثر علينا التداعيات وتعرقل خطواتنا، ولهذا سنبدأ من منطلق لا خاسر ولا رابح.. بل الوطن وحده هو الرابح الذي يسكننا جميعاً عبر مشاعرنا الوطنية التي لا نختلف على اننا جميعا نكن لهذه الارض الولاء ولقيادتها الحب والاحترام ولشعبها استمرار الوئام.
تعالوا منذ الآن نؤسس البحرين الجديدة التي نحلم بها لنا ولأجيالنا من دون اقصاء بعضنا البعض ومن دون تجاسر على الثوابت الوطنية ومن دون خضوع للخارجي الذي لا يريد سوى دمار هذا الوطن.
تعالوا نبي البحرين ومنذ هذه اللحظة من دون أن يشعر أحدنا بأنه مهزوم وبأن الآخر منتصر.. تعالوا لا خاسر ولا رابح بل كلنا للبحرين وفي البحرين قد ربحنا الأمن والاستقرار.. وليكن هذا الاستقرار منطلقا لبناء الثقة فيما بيننا ولتكن ثقة قائمة على الصدق والمحبة والإخلاص وليس على الخداع والكذب والتزييف، لنكن قادرين على تجاوز محنة الأيام الماضية لا بالقول بل بالمشاعر والعمل واللجوء الى الحق والخير والجمال ورؤية الآخر واحترام حق الآخر والقبول به كطرف في المعادلة لا الغائه او انكاره حتى لا يقودنا ذلك الى ما حدث مؤخراً للأسف.
ولا ننسى ان هناك فرصة اعادة بناء الاقتصاد خاصة وان الأخوة الخليجيين في مجلس التعاون قد شكلوا كما يسمى مجازا بمشروع مارشال الخليج والذي على أساسه أُقرت العشرون بليون دولار لكل من البحرين وعمان وبالتالي هذه الوقفة الخليجية المرتبطة بالشهامة والمحبة سيكون لها أثر بالغ على اقتصاد البلدين بالاضافة الى المشاريع البحرينية المتواصلة والتي لم تؤثر فيها الاحداث الأخيرة كل ذلك سيدفع ببلادنا ان تخرج من أزمتها منتصرة بكل فئات وشرائح شعبها وفي ظل قيادتها التي أثبتت عملاً وقولاً بأنها حكيمة.
إلى الأعلى