طارق محمد الناصر

quot;التقارب مع السعودية من أولويات السياسة الإيرانية، فالسعودية لها مكانتها الخاصة ولها ثقلها الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة والعالم الإسلامي والعالم ككل. التقارب سيكون في مصلحة المنطقة ومصلحة أمنها واستقرارها وفي مصلحة العالم الإسلامي وحتى يمكن القول في مصلحة العالم كلهquot;.

كان ما سبق اقتباس لتصريح لوزير الخارجية الإيراني لصحيفة لبنانية قبل اقل من أسبوعين. ما الذي تغير خلال هذين الأسبوعين كي يتم الاعتداء على القنصلية السعودية ويخرج كل مسئول إيراني للتنديد بالمملكة.

الحق أن ما تغير كثير: فشل مخطط فارسي امتد الإعداد له سنوات طوال.. افتضاح العملاء.. اهتزاز الهيبة.. انكشاف انعدام وسائل التأثير لدى الحلفاء قبل الأعداء. كل ذلك يعزى لقرار العاهل البحريني الاستعانة بقوات درع الجزيرة.

كانت إيران ترى في حركة المطالب الشعبية البحرينية فرصة لتحقيق حلمها الفارسي القديم. في البدء لم تظهر إيران في الصورة، وكانت المطالب منطقية ويمكن التحاور حولها وان لم يكن من المفترض أن يكون الشارع مسرحها. وكان المطالبون يمثلون، بنسب مختلفة، جميع ألوان الطيف الديني البحريني.

أشركت إيران طابورها الخامس مع المتظاهرين. خلال وقت قصير، تزعم هؤلاء المشهد مزايدين على الجميع رافضين للحوار ورافعين سقف المطالب. انفض المعتدلون وتحولت المطالب سريعا إلى شغب شمل قطع الطرقات واستهداف الأبرياء ومهاجمة الجامعات والاستيلاء على المستشفيات.

كان المسرح مهيأ، من وجهة النظر الإيرانية، للوصول أخيرا إلى وضع يجعل من الممكن تحول البحرين إلى ساحة أخرى من ساحات تصفية الحسابات بين إيران وبين من يقفون في وجه مشروعها التوسعي. كان يراد للبحرين أن تكون مجرد نظام آخر يدور في الفلك الإيراني قربانا للطموح الفارسي ولا أقول الشيعي.. درع الجزيرة ضرب المخطط في مقتل.

لا عجب، إذن، أن نرى رد فعل إيراني حادا بل ومتهورا نتيجة انقلاب المعادلة. فبعد تضليل العالم، وخاصة الشيعة، بمزاعم عن انتهاكات النظام وقرب سقوطه والتبجح بدعم وإلهام المحتجين، ها هي إيران اليوم لا تملك إلا رفع عقيرتها لدى كل منظمة دولية لانتقاد التدخل الخليجي وتجريمه.

إيران التي تلقت لطمة قوية تعرف بان الأكثر قسوة من ألم اللطمة هو تأثيرها المتوقع على نظام نجاد نفسه. احمدي نجاد يدرك أن هزيمة مشروعه في البحرين ستستغل من خصومه الإصلاحيين في توجيه النقد القاسي لسياسته الخارجية، وسيشاركهم الانتقاد حلفاؤه المتشددون الذين سيلومونه على عدم التدخل الحاسم لنصرة أزلامهم هناك.

النظام الإيراني، حتى الآن، يعيش في مأزق، وما الاعتداء على القنصلية السعودية إلا مؤشر على ارتباكه وحيرته.