بينة الملحم
ارتبط تاريخ البحرين بكونها الجزيرة التي كسرت قوانين الجغرافيا، فهي التي لم تعزلها المياه الموّاجة من كافية نواحيها عن التمدد عالمياً؛ لم تكن حبيسة نفسها، بل كانت النافذة التي تشرق شموس الحضارات الغربية والشرقية على الخليج من خلالها. الجزيرة الصغيرة التي باتت لؤلؤة الخليج تطوراً ونمواً، وتفوقت تاريخياً على مستوى الطبابة، وتعليم المرأة، وبناء المؤسسات. كان تطوّرها مشروعاً، ولم يكن موجهاً لإغاظة أحدٍ من الغرب والشرق، لكنه ويا للأسف استفزّ إيران؛ البحرين التي نمت خلال مسيرةٍ حافلةٍ بالتطور يراد لها أن تكون ملحقاً إيرانياً، وهو المشروع الذي كشف عنه ملك البحرين.
كشف ملك البحرين عن مخطط بدأ منذ ثلاثين سنة، يقول الملك حمد بن عيسى: quot;إن مملكة البحرين أفشلت مخططاً خارجياً عُمل عليه منذ مدةٍ لا تقل عن عشرين أو ثلاثين عاماً، المخطط الخارجي الذي استهدف البحرين حتى تكون الارضية جاهزة لذلك وإن نجح هذا المخطط في إحدى دول مجلس التعاون فقد يعم هذه الدول، ليس بالسهل أن يمر المخطط في البحرين أو في أي دولة من دول مجلس التعاونquot;.
هذه هي الخطورة التي تعني أن أصابع إيران تريد أن تدير دول الخليج عبر لعبة الطوائف الفاشلة، ولحسن الحظ أن دول الخليج تفهّمت خطورة التحدي الذي قادتْه إيران فقامت بمعالجته بشكل فوري، عبر التدخل العسكري الرمزي.
في 14 مارس الجاري أرسلتْ قوات quot;درع الجزيرةquot; أكثر من ألف جندي لضبط الأمن؛ ولم يكن التدخل العسكري موجهاً ضد طائفةٍ بعينها، بل كان تدخلاً موجهاً ضد تلك الأنياب التي سال لعابها وتودّ لو أنها تستطيع نهش ثمار التنمية التي أسّستها مملكة البحرين منذ تأسيسها. ولم تكن تصريحات الإيرانيين خجولة ضد البحرين، بل كانت شديدة التجنّي فمنذ سنواتٍ طويلة وأجهزة إيران الطائفية تود لو أنها طحنت البحرين بمكائنها الطائفية. لكنه المشروع الذي بان فشله بسرعة بمجرد دخول quot;درع الجزيرةquot; إلى البحرين، وهو ليس دخولاً عدوانياً بل هو الدخول الضابط لحراك خاطئ من قبل فئات اجتماعيةٍ محدودة.
الكاتب الأميركي نيكولاس كريستوف في مقالٍ له لم يستطع استيعاب الفرق بين الحالة الخليجية، والحالات العربية الأخرى في خضم التظاهرات السائدة، لهذا صوّر التدخل العسكري على أنه تدخل quot;دمويquot;! من الخطأ أن يوصّف كاتبٌ أميركي في صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; أحداث البحرين على أنها اعتداء من حكومات الخليج على طائفةٍ بعينها، كان الصحافي هناك، ليته قرأ المشهد على نحوٍ أبعد من الكلام الذي يسمعه من السائرين؛ من بين الأبجديات التي كان يمكن أن يستنتجها بسهولة؛ أن التظاهرات لم تكن سلميّة بحتة.
إيران الآن تذرف دموع التماسيح على ما تزعم أنه اضطهاد للمذهبية في الخليج. بينما هي تضرب منذ سنتين المتظاهرين والمحتجين على تزوير الانتخابات الإيرانية بالحديد والنار؛ لم تعلم إيران أن مواجهة الخليج للاضطرابات ستكون بنفس القوة حتى لو كان مصدرها سنة، لنذكّرها أنه وحين برز تنظيم القاعدة السني في الجزيرة العربية والخليج ضربته دول الخليج بضربات قاسية ومدمرة، وأسست لغرض ضربه أجهزةً أمنية خاصة مسؤولة عن مكافحة الإرهاب، والقوات الخليجية اليوم تتعامل مع أي اضطراب بحزم بغض النظر عن المذهب، كذلك فعل الملك عبدالعزيز مع الإخوان ، وفعله الملك خالد والأمير فهد آنذاك مع الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة جهيمان، وفعله الملك عبدالله مع تنظيم القاعدة، كل تلك التنظيمات من الطائفة السنية بل ذات استشهادات سلفية!
إيران اليوم تحتلّ جزراً خليجية؛ وهي جزر الإمارات الثلاث، وتقوم بتدخل واضح في ما يجري في البحرين، وتحاول بكل ما أوتيت من قوةٍ أن تعسف شعوب الخليج لتكون منصاعةً منقادةً إلى مخططاتها العابرة للقارات، وتودّ من الخليجيين تفهّمها، كيف يمكن لدول الخليج أن تتفهم تلك الأنياب الإيرانية المتحفزة للانقضاض على أي دولة فور حدوث أي اضطراب؟!
أتمنى أن نستوعب الدرس الخطير الذي نشهده هذه الأيام!
التعليقات