خليل علي حيدر

خطأ سياسي كبير، أن يحشر شيعة الكويت أنفسهم في القضية البحرينية، وان ينحازوا لهذا الطرف أو ذاك. والأسوأ من ذلك أن يدخلوا في صراع آخر بين الجماعات السلفية ومن يساندها، وجماعات التشيع السياسي ومن يدعمها.
فمملكة البحرين دولة مستقلة شقيقة لها سياسات داخلية وخارجية هي من صميم مسؤولية شعبها وبرلمانها، ولها طرقها وأساليبها في التعامل مع مختلف القوى والجماعات السياسية وحل الخلافات والاختلافات هناك، نحن في الكويت لا نقبل اي تدخل خارجي في القضايا السياسية والصراعات البرلمانية والاختلافات الطائفية، ونعتقد صادقين أن تدبير هذه الأمور وحل هذه المشاكل لا تخص اي طرف خارجي، ما دامت ثمة جهات قانونية ودستورية وسياسية في الجهاز الكويتي، مسؤولة عن حلها.
قوة شيعة الكويت البرلمانية والسياسية وثقلهم لا يجعلانهم في موضوع التأثير في الاحداث بالاتجاه المرغوب من قبل بعض البرلمانيين والساسة الشيعة مهما كانت دوافعهم، وما ينجم عن هذا التدخل، وهذه المواقف الشيعية المؤيدة والمعارضة لبعض تطورات احداث البحرين، ستسجل ضد شيعة الكويت، وستعطي خصومهم والمشهرين بهم في عموم المنطقة المزيد من الوقود والاستمرارية، وان كان لابد من التدخل والمشاركة والاعتراض، فبالتنسيق مع التيارات الكويتية الأخرى.
القضية البحرينية في بعض جوانبها، وبسبب المشكلة المذهبية، قضية معقدة تشبه المشكلة العراقية بعد عام 2003 وما أثار النظام الجديد هناك من مخاوف وحساسيات، ولقد استخدم النائبان المتحاوران في برنامج تلفزيون الوطن حول القضية ضد بعضيهما حججاً قوية، ولكن في مثل هذه المواقف تنتصر المخاوف وما هو مسكوت عنه على العقل.. ومنطق سيد الأمور.
لا مصلحة، مرة أخرى، ولا قدرة ولا فائدة، لشيعة الكويت في أن يتحولوا الى قوة مناطحة في صراع اقليمي بحجم الخلاف السعودي - الايراني ولكن هذا لا يعني اطلاقاً الحياد السلبي من مختلف القضايا المثارة في المنطقة بين الطوائف، فقوة شيعة الكويت، مثل قوة الحكومة الكويتية نفسها، تكمن في وحدوديتها وحيادها وحسن نواياها، وتكمن في الحرص على كسب ثقة مختلف الاطراف، والابتعاد عن القضايا المعقدة المتداخلة، ومشكلة بعض اطراف الجماعات الشيعية انها لا تضع كل هذا في الحسبان، وتضع كل الشيعة نتيجة ذلك في وضع لا يحسدون عليه.
ان السياسة الناجحة هي فن تبني وانجاز الممكن، القابل للتطبيق، ضمن المعطيات المتاحة، وباستطاعة شيعة الكويت، بل وكذلك شيعة لبنان والعراق انجاز الكثير في الوسط الخليجي والعالم العربي، ان درسوا اخطاء تجاربهم منذ عام 1979، وبخاصة العالم العربي - بما في ذلك المنطقة الخليجية ببلدانها، واليمن - مقبل بعد هذه الثورات الكبرى في تونس ومصر وليبيا وسورية، على تحولات ديمقراطية وانفتاح فكري وثقافي وترحيب صادق بالتعددية، بيئة تستقبل كل فكر وتوجه سلاح الثقافة والمنطق والاعتدال والاقتناع، والابتعاد عن تسييس الدين والمذهب والدخول في الاختلافات المذهبية بسياسات غير شفافة ومؤدلجة.
لقد حاولت ايران الاسلامية تغيير العالم العربي والاسلامي فعجزت، وربما كانت اليوم متخوفة من التغيرات القادمة!.
وحاولت القيادة العراقية بعد 2003 ان تصعد امام سياسات laquo;النظام العربيraquo; والجامعة العربية، وان تحيل معاتبة العرب وتقصيرهم بحقها الى حساب، ولكن ها هي اليوم تهيئ نفسها لمؤتمر قمة عربية، ولعب laquo;حزب اللهraquo; دوراً اساسياً في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي ولكنه ارتكب بعد ذلك سلسلة من الاخطاء الفادحة، التي عزلته سياسياً ومذهبياً، ولا احد يعرف الآن حجم الضرر الذي انزله الحزب وسياساته بالشيعة في لبنان.
وتثار منذ فترة في منطقة دول مجلس التعاون القضية البحرينية والمعارضة الشيعية فيها، والتي استقطبت بالفعل تعاطفاً وزخماً وطنياً لا يستهان به عندما كانت تدرك خطورة العزلة الطائفية والمذهبية على التحرك السياسي، ولكـن القوى الشيعية البحرينية، مثل الكويتية، لم تضع دائماً في الحسبان، ان السياسة فن الممكن، وها هي الازمة المذهبية تتصاعد من جديد.