عمان - رنا الصباغ


يتوقع الأمير الحسن بن طلال، ولي عهد الأردن السابق (1965-1999)، انتقال حمى ثورات الإصلاح والتغيير المشتعلة في عواصم عربية إلى إسرائيل، المرشحة لاضطرابات مماثلة بسبب موزاييك مجتمعها المتنافر. فالانتفاضات الشعبية - التي قدحت شرارتها في تونس وامتدت إلى مصر ثم اليمن فليبيا مروراً بسورية والأردن والبحرين والمغرب والجزائر وسلطنة عمان - تساهم في كسر القناعة الغربية بأن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في هذا الإقليم المضطرب، على ما يرى السياسي والمفكر العربي (64 عاماً).

في حوار مع laquo;الحياةraquo;، يرى الأمير الأردني أن من السابق لأوانه الحكم على نتائج التغيير في تونس ومصر، بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي وحسني مبارك. لكنه على قناعة بأن مشروع إقامة ديموقراطيات عربية من القاعدة إلى القمّة، قد تقلب معادلة العلاقات السياسية الغربية والدولية مع إسرائيل.

ويتساءل: laquo;من قال إن هذا الحراك المتسارع يجب أن يستمر بين ظهرانينا فقطraquo;. ويضيف: laquo;أعتقد أن إسرائيل مرشحة أيضاً لذلك، في مواجهة تشظٍ طائفي - مذهبي وعرقي يعصف بساحتها الداخلية (...) فهناك اليهود السمر، والأشكناز والسفرديم، والخلافات مع الإسرائيليين من أصول عربيةraquo;. الدولة اليهودية، في نظر الأمير الأردني، تبحث دائماً عن شركاء عرب أكثر سيطرة على الشأن الداخلي لتبرر ترويج أنها الديموقراطية الوحيدة في الإقليم ولتحمي مصالحها الخارجية.

عربياً، يرى الأمير - الذي لم يعد يشارك في المطبخ السياسي منذ 1999 - ان أمام الأردن وغيره من الدول العربية فرصة للتحديث بدل الخوف من المجهول ومآلات هذه الثورات. ففي رأيه: laquo;الخوف يؤدي إلى التقوقع والالتفاف الشللي وإلى الانهيار، ذلك أن الانهيار يبدأ بالخوف والتشكيكraquo;.

إذاً، العالم العربي يحتاج الى إصلاحات لمواجهة تحديات المستقبل بما يفضي إلى مأسسة دولة القانون والتعددية، ووقف انتشار الفساد والتنكر لأسس الحكم الديموقراطي في ظل هيمنة laquo;البلوتقراطيةraquo;. إلى ذلك تطالب الأنظمة بانتشال المواطن العربي من مشاعر اليأس والإحباط والشعور بالاستهداف من laquo;أنظمة حاكمةraquo;، لا تخدم حقوقه الديموقراطية وتجلياتها، وحق التعبير والتجمع، والعمل والمساواة أمام القانون.

ويستشهد الأمير بدراسات تدل على أن حال المواطن العربي لم تشهد تحسناً ملموساً منذ عقود على رغم وفرة موارد الوطن العربي وإعلان دوله عن معدلات نمو مرتفعة. ويؤشر إلى اتساع رقع الفقر والبطالة، لافتاً إلى أن منحنى هذا الخط البياني laquo;ينذر بعدم الاستقرار، وارتفاع وتيرة العنف واستفحال الفوارق الاجتماعيةraquo;.

من الواضح وفق الحسن بن طلال أن الهوة الرأسية بين الحاكم والمحكوم تزداد عمقاً. كما تتسع الفوارق الأفقية في مستويات المعيشة والحقوق الأساسية. وما يفاقم الأوضاع، هو غياب الديموقراطية والإدارة الجامعة لتحريك إرادة الأمة واستثمار طاقاتها كي تتبوأ مكانتها بين التكتلات الأممية. كما أن انتشار الفساد والتطاول على الحقوق العامة، وضع الأقطار العربية في مراتب متدنية على سلّم الشفافية والحكم الرشيد والنزاهة والتنافسية وحرية التعبير.

ولأن جيل الشباب ما دون الثلاثين يشكل ثلثي عدد السكان، يرى أن هذه الشريحة تشعر بضياع فرصها في حياة كريمة والمهانة والإجحاف. وهي تعاني من ألم التهميش السياسي، البطالة وعدم القدرة على المساهمة في المجتمع.

أردنياً، لا يخفي الأمير انزعاجه، كسائر المواطنين، من فشل برامج إصلاحية وخطط تنمية أغفلت ربط الأرقام والإحصاءات بحياة المواطن اللاهث وراء لقمة الخبز في بلد تتآكل فيه الطبقة الوسطى، عماد الأمن والاستقرار.

وهو ينظر بألم إلى تداعيات ما وصفها بأحداث laquo;الجمعة الحزينةraquo; يوم 25 آذار (مارس) والتي مست بالوحدة الوطنية بين شباب منادين بإصلاح النظام الأردني وشباب من مهرجان laquo;نداء وطنraquo; الداعم لرؤى التحديث التي يرفعها الملك عبدالله الثاني.

بعد ذلك، لا بد من الانفراج، وفق ما يرى هذا الشاهد الرئيس على أحداث مفصلية عاشها الأردن منذ منتصف القرن الماضي.

يعبّر الأمير عن مشاعر مشابهة للحسم الذي يعكسه الملك عبدالله الثاني خلال لقائه قبل أيام مع أعضاء لجنة الحوار الوطني، التي شكّلت برئاسة رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري بهدف إحداث إصلاحات تشريعية، بما في ذلك تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب. إذ دان الأحداث laquo;المؤسفةraquo; وما تبعها من إساءة للعلاقات بين المكونين الرئيسين في المجتمع: الشرق أردنيين وفلسطينيي الجذور.

على غرار الملك الذي يواجه أكبر تحدٍ سياسي داخلي منذ جلوسه على العرش عام 1999، يحض الأمير على فتح صفحة جديدة صوب التحديث، أساسها الحوار وصيانة النسيج الوطني.

برأي الأمير، الذي يقود عشرات المبادرات الدولية، لا يختلف أردني حول شرعية مظلة الأسرة الهاشمية في مفهومها العصري وشخص الملك laquo;المعقل لشغف المواطنينraquo;. فالعرش عصب معادلة تصالحية بين فئات المجتمع، حيث تتداخل الخطوط الحمر بسبب الخطر الخارجي أكثر من الخطر الداخلي.

عدّد الأمير سلسلة تحركات قد تصل بالأردن إلى التحديث الذي يستحق. وهو يتكئ بذلك على عدد من المبادرات طرحت خلال السنوات الماضية، بدءاً بالمخاض السياسي الذي رافق خيار الديموقراطية عقب أحداث 1988، وحراك اللجنة الملكية التي وضعت ميثاقاً وطنياً عام 1990، أعاد التشديد على قواعد الدستور نصاً وروحاً. وأقر الأردنيون تلك المبادئ خلال مؤتمر وطني عقد في ذلك الوقت بمشاركة 100 شخصية تمثل الطيف السياسي والحزبي.

لا يشاطر الحسن بن طلال الدعوات إلى إصلاح الدستور، معتبراً أن لجنة الحوار الوطني التي شكلت أخيراً قد تشكل أداة لتنفيذ شروحات الميثاق الوطني وصولاً إلى تفعيل الدستور. laquo;الميثاق كان مهماً لأنه يمثل توافقاً بين النظام وألوان الطيف السياسي، يمين، وسط ويسار ويضع أسس العلاقة لهذه المكونات الثلاثة بالاستناد إلى الدستور في دولة القانونraquo;.

laquo;أنا مع العودة إلى دستور 1952 وتفسير بنوده من خلال الميثاق الشامل والواضحraquo;، يقول الأمير، مردفاً: laquo;لماذا لا نعزز الثقة من خلال مبادرات آمنة تخاطب الهواجس الإقليمية، والجهوية والأقليات؟raquo;.

ويفضل الحسن بن طلال عرض الميثاق على استفتاء شعبي مع تطبيق لا مركزية على مستوى المحافظات وبعض توصيات اقتصادية واجتماعية تتضمنها الأجندة الوطنية، وهي خريطة طريق رسمت عام 2005 حزم إصلاحات متكاملة للسنوات العشر المقبلة.

في السياق ذاته، يرى أنه laquo;آن الأوان لتأسيس مفوضية مستقلة دائمة للانتخابات تعمل بنزاهة بعيداً عن سائر أجهزة الدولةraquo; من أجل ضمان فرز مجلس نيابي مستقل عن هيمنة السلطة التنفيذية. كذلك من المستحيل أن تقدم السلطة التشريعية على تمرير رزم إصلاحية وهي تلتئم لمدة أربعة شهور فقط ومتخوفة حيال مستقبلها وقلقة لتغيير الحكوماتraquo;.

تحديد من هو المواطن الأردني سيكون مفيداً لحسم أزمة الهوية من دون الانتقاص من حقوق العودة والتعويض في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية.

ويرى أن الخطر الداهم هو سياسة laquo;المصادرة الزاحفةraquo; التي تنتهجها إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، لافتاً إلى أن الأردن ينوء تحت ضغوط المتغيرات الديموغرافية. ففي غياب قاعدة بيانات معرفية من الصعب تحديد من هم الغالبية أو الأقلية. وعلى أي حال، الموضوع هو كيفية تفعيل المواطنين بغض النظر عن أصولهم لتعميق الاستقرار الداخلي لدولة الرباط ما بين النفط وإسرائيل.

وجّه الأمير اللوم إلى جهات خارجية تروج منذ سنوات أن الأردن غير قائم على أسس ديموقراطية سليمة لأن غالبية سكانه من laquo;أطر فلسطينيةraquo;. وبالنفس ذاته، ينبه المجتمع الأردني: laquo;بالقدر الذي تستطيعون فيه تنظيم أنفسكم داخلياً ستستطيعون مواجهة الخطر الخارجيraquo;. فاستمرار الوضع القائم وإغلاق النوافذ والأبواب في وجه الإصلاح، وفق ما يروج له متنفذون يختبئون وراء الملك، لن يجلب الاستقرار.

ويبدي استياءه من التصنيفات الإثنية: laquo;فالبعض يقول إن أمثالي من الحجاز دخيل ومن أتى من سورية دخيل ومن فلسطين دخيلraquo;. ثم يتساءل: laquo;هل علينا العودة إلى الحجازraquo;؟ ويخلص إلى القول: laquo;إما نعيش أو نقضي معاً. الجو المسموم والمتوتر الحالي لا بد من ألا يخلو من أصابع ترغب في تحويل مسارات الثورة الشريفةraquo;.

ويختتم الأمير حواره بالتساؤل: laquo;من قال إن من يدعو للإصلاح ليس مخلصاً، إذا كان الملك نفسه يريد الإصلاحraquo;؟ وينبّه إلى أن laquo;الخطر الحقيقي في استمرار الوضع القائم وتغييب الصالح العام ومفهوم الخدمة العامةraquo;.