بينة الملحم

عاصفة إيرانية شهدها الخليج خلال الأسابيع الماضية؛ شبكة تجسس في الكويت، تصريحات ضد السعودية من قبل لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني، تنصيب أحمدي نجاد لنفسه ناطقاً ومحامياً عن الشعب البحريني؛ لم تبق دولة خليجية إلا وطاولها من تدخل إيران السري والعلني في شؤونها مايزعج ويقلق.

والبيان الذي صدر عن الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون المنعقد في 3 أبريل الجاري جاء حاسماً؛ حيث دانت دول الخليج: quot;التدخل المستمر في الشؤون الداخلية لدول المجلس من خلال التآمر على أمنها الوطني، وبث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها، ولمبادئ حسن الجوار والأعراف والقوانين الدوليةquot;، كما انتقدوا quot;السلوك العدائي لإيران في الخليجquot;!

وبتأمل تصريحات إيران السياسية تجاه الخليج، نجد أنها تنقسم إلى قسمين اثنين، الأول: الخطاب الدبلوماسي الناعم، الذي يركز على حسن الجوار، وعلى الوحدة في المكان، والتعاون المشترك، وهو ذاته الخطاب الذي ألمح إليه وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد حين قال:quot;إن كشف شبكات التجسس الإيرانية في الكويت تصرف غريب من دولة جارة تدعي وتطالب بعلاقات حسن الجوار، من خلال الخطاب السياسي الإيراني، إن على طهران ربط الأقوال بالأفعال، إن هناك اختلالاً في العلاقة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وإيران حيث إن الأولى تتعاطى باحترام معها فيما لا تتعامل الثانية بذات القدر من الاحترام مع المنظومةquot;.

القسم الثاني: هو ذلك الخطاب الثوري؛ والذي يعبر عن quot;أيديولوجيا الثورة الإيرانيةquot; تجاه دول الخليج؛ حيث تأتي مفردات الشيطنة، والأحاديث عن quot;فارسية الخليجquot; وعن كل الأطماع المختبئة وراء كواليس السياسة الإيرانية، هذا الخطاب هو الذي تركز عليه إيران منذ أن لبّت دول الخليج طلب حكومة البحرين بالاستعانة بقوات quot;درع الجزيرةquot; تلك القوة العسكرية؛ خليجية التكوين ... والتأسيس ... والكوادر! منذ تلك اللحظة الاستثنائية والذكية وإيران تشعر أنها تفشل في مد نفوذها في الخليج للهيمنة على ولاءات المواطنين، إن الخطاب الثوري الإيراني يعبر عن صميم مشروع إيران السري ويشرحه بوفاء، أما الخطابات الليّنة فهي للاستهلاك الإعلامي والدبلوماسي ... فقط.

كان من المفترض بإيران أن تبذّر مشاعرها العدائية على quot;إسرائيلquot; التي أمطرها أحمدي نجاد بتصريحاتٍ عدوانية مسّت اليهود كلهم؛ لكنه لم يستطع يوماً أن يتحرك شبراً واحداً تجاهها، بل أراد أن يأتي بقوته إلى الخليج، لكأن عدوانية إيران لدول الخليج فاقت مشاعره العدوانية إزاء إسرائيل! ، وحين يتحدث الرئيس الإيراني عن دول الخليج بلغةٍ عدائية مستفزة وفوقية، فهو لا يتعامل مع quot;جيرانquot; فعليين، وإنما يتعامل مع عدوّ اسمه quot;الخليجquot; حيث يغرس شبكات التجسس، ويشجع المعارضين على الانقلاب على الحكومات، ويدعم أي حراك تخريبي، لكنه وحين تأتي المسألة الإسرائيلية فليس لديه سوى الشعارات الكبيرة التي يعلم الإيرانيون جيداً أنها quot;لا تخيف إسرائيلquot;!

في دراسةٍ مميزة كتبتْها الباحثة: مارينا أوتاوي، بعنوان: quot;إيران والولايات المتحدة ودول الخليجquot; نشرت ضمن أوراق كارنيغي، تقول:quot; إن أي نهج دبلوماسي فعّال مع إيران يجب أن ينطوي على استراتيجية إقليميةquot;. المشروع الإيراني العابث اليوم في المنطقة، يمكن مواجهته بالتخطيط الاستراتيجي الذي يشمل تطوير القدرات الأمنية، والبحث في سبل تحصين الحدود والأوطان من التدخل الإيراني، وهذا يكون عبر التحالف التام بين دول مجلس التعاون. وإذا ماتذكّرنا أن المجلس أسس لغرض مواجهة أي خطرٍ محتمل قد يأتي تجاه دول الخليج، فإن تطوير المجلس تنظيمياً وإدارياً يعتبر خطوة استراتيجية أولى من أجل الدخول في مرحلة حسم لأمن الخليج وزرع ممانعة اجتماعية شاملة تجاه أي نوايا إقليمية تنوي اللعب على أوتار المجتمع الحساسة وأخص منها quot;الطائفيةquot; تحديداً.

بيان مجلس التعاون الخليجي جاء واضحاً، استخدم مفرداتٍ لا تحتمل التأويل، ثمة quot;تآمر إيرانيquot; تجاه دول الخليج، هذا التآمر جاء في وقت صعب إقليمياً حيث الاضطرابات التي بدأت بتونس، ثم مصر، وإلى ليبيا واليمن وسورية؛ هذا الاستغلال لثغرة صعبة إقليمياً يعبر عن نوايا إيرانيةٍ مبيتة، اكشتفت لحسن الحظ ... لكن الرهان الأكبر من أجل خليج محصّن يكمن في quot;استراتيجية خليجية ... استراتيجيةٍ كاملةquot; تزرع الممانعة ضد إرادة المتربصين!