أحداث العرب والعالم ومفاعيل العولمة والعنصرية والطائفية


عبدالعزيز بن عثمان التويجري


حفل الشهر الماضي بأحداث عاتية، شغلت اهتمام المتابعين إقليمياً ودولياً. ففي ليبيا اشتد أوار الحرب الدائرة بين الثوار والقوات الدولية الداعمة لهم، وبين وحدات من الجيش الليبي النظامي وفرق أخرى مساندة لها تسمّى تمويهاً بـ laquo;كتائب القذافيraquo;، ما أسفر عن قتل المئات وجرح الألوف من الليبيين وتدمير المدن وانتشار الخراب والفوضى العارمة والخوف في كل مكان. ولا تزال رحى الحرب تدور حامية الوطيس حتى الآن في تصاعد ينذر بالمزيد من الدمار.

وفي اليمن تصاعدت التظاهرات الحاشدة في صنعاء وتعز والحديدة وعدن وغيرها من المدن اليمنية، واحتدت المواجهات، وتساقط القتلى، وانتشر الخوف والقلق وانعدم الأمن والاستقرار.

وفي البحرين يسود هدوء حذر بعد أيام عاصفة من التظاهرات التي أخذت منحى طائفياً أضرّ بها وكشف من يحرّكها. وفي الكويت أعلن عن اكتشاف شبكات تجسس لدولة جارة، وجرى تراشق بالاتهامات يغذي حدة الأزمة ولا يساعد على حلها. وفي سورية انطلقت تظاهرات في مدن عديدة، وجرت مواجهات دامية، وتبودلت اتهامات بالتآمر وبالتحريض الطائفي وبالقمع وخنق الحرّيات.

وفي ساحل العاج، لازال القتال الدامي مستمراً بين قوات الرئيس المنتخب والرئيس المهزوم المتشبث بالسلطة، يسقط بسببه يومياً مئات القتلى والجرحى، ويعم الدمار وتنتشر الفوضى ويسود الرعب في كل مكان. وفي الولايات المتحدة الأميركية، قام قس مغمور باحث عن الشهرة، بحرق نسخة من القرآن الكريم بعد إجراء محاكمة له في مشهد هزلي مضحك مُبكٍ. وفي فرنسا ظهرت دعوة من الحزب الحاكم للقيام بمناظرة حول الإسلام في فرنسا يرى المراقبون أنها لا تخلو من دوافع عنصرية، لأهداف انتخابية، تؤجج مشاعر المسلمين الفرنسيين وتضعهم في مواجهة مفتعلة لا مبرر لها.

هذه صور حقيقية لما يجرى في عالمنا اليوم. هذا العالم المضطرب المليء بالفتن والحروب والصراعات والعنصرية والطائفية.

وأمام هذه الأحداث المؤلمة ذات الآثار المدمّرة، يقف عقلاء العالم مشدوهين مما يجرى. وكنت أعتقد أن هذه الأحداث المتتالية ستشغل المهتمين بالحوار الحضاري والتعايش السلمي، عن المضي قدماً في مسارهم الذي بدأوه منذ القرن المنصرم. غير أن حضوري في المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، والمؤتمر الأول للحركة العالمية للشباب من أجل تحالف الحضارات، اللذين عقدا في باكو بجمهورية آذربيجان في الفترة من 7 إلى 10 نيسان (أبريل) الحالي، أبقى في نفسي شيئـاً من الأمل بأن تظل جذوة الحوار الثقافي وقيم التحالف بين الحضارات مشتعلة، على الرغم من جسامة الأحداث الكثيرة التي تمزق عالمنا اليوم، وتنشر فيه الفوضى وما يتبعها من صراعات ومواجهات طائفية وعنصرية.

لقد كان موضوع العولمة وآثارها على العلاقات الثقافية واحداً من المحاور التي ناقشها المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، وأتيحت لي فرصة الحديث في الجلسة الأولى عن هذا الموضوع المهم.

إن آثار العولمة على العلاقات الثقافية بين الأمم والشعوب، هي من القوة والنفوذ، بحيث ينبغي التعامل معها بوعي حضاري رشيد. فللعولمة جوانب متعددة، وليست نظاماً صارماً مهيمنـاً له وجه واحد وسلطة قاهرة، ولكنها حركة تفاعلية، فيها الإيجابيات بقدر ما فيها من السلبيات. ولذلك فإن الآثار الإيجابية للعولمة على العلاقات الثقافية، في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والفضاء الإعلامي المفتوح، يمكن أن تقرّب المسافات بين الثقافات، وتتيح المجال للمزيد من التعارف والتفاهم بين الشعوب. والمتغيرات الدولية التي تتلاحق وتيرتها سريعاً، في هذه المرحلة القلقة التي يجتازها العالم، تستدعي تضافر جهود المجتمع الدولي، في إطار التعاون والشراكة، وعبر تفعيل دور المنظمات الدولية في تعزيز العلاقات بين الثقافات، من أجل تعميق التفاهم والاحترام المتبادل للتعددية الثقافية، وفي سبيل إزالة الأسباب التي تؤدي إلى نشوب الأزمات التي تقلق الضمير العالميّ، نتيجة لشيوع الأفكار العنصرية المعادية للسلام، وبسبب من انتشار المذاهب والإيديولوجيات المتطرفة المناهضة للحوار والتسامح والتعايش بين الأفراد والجماعات. ولقد أجمع العالم، وعلى مستوى الأمم المتحدة، على أن تعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، مع الاحترام المتبادل للتعددية الثقافية، هو من أقوى الوسائل لاستتباب الأمن والسلام، ولاقتلاع جذور العنصرية.

إن العالم الإسلامي بخاصة مدعو إلى معالجة الأوضاع المضطربة التي يعيشها والمتمثلة أساساً، في غياب الحكم الرشيد في العديد من دوله، وفي غياب المساواة العادلة والمشاركة الفاعلة في إدارة شؤون المجتمع وتسييرها، وفي انتشار حمى الطائفية .ي مدعو أيضاً إلى التكيّف مع نظام العولمة، وإذا كان بناء نظام عالمي جديد، تحترم فيه التعددية الثقافية، وتصحح فيه أوضاع العالم ويقوّم اختلاله، مسؤولية ً جماعية ومهمة ً مشتركة بين الجميع، فإن دور المنظمات الدولية في هذا المجال الحيوي، بالغ الأهمية، خصوصاً المنظمات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشـترك بقضايا الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات.

إنَّ العشرية الثانية من هذا القرن، تتطلّب تطوراً ملموساً في الجهود الدولية من أجل تعزيز ثقافة الحوار، والتأكيد على أن التعددية الثقافية والتنوّع الثقافي الخلاق، هما مصدرُ غنى للثقافات الإنسانية التي تلتقي حول قيم راقية مشتركة، وذلك لإنقاذ العالم من حالة اختلال موازينه واضطراب أحواله، حتى لا تبقى هذه الفكرة السامية شعاراً جذاباً نرفعه في المنتديات، وأنشودة جميلة نرددها في المحافل، وحتى لا تصبح أدوات العولمة مركباً سهلا ً للأفكار العنصرية والطائفية والفوضى الهدامة.

* المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو.